بحث

أخبار اليوم

شهوة السلطة في العالم العربي ..!

  • 14:52
  • 2016-12-04

 

الواقع الفلسطيني يصلح تماماً للقياس، والصراعات التي دارت وتدور على الحكم ومواقع المسؤولية قادرة على إعطاء تفسير عن علاقة العقل العربي بالسلطة، فهي سلطة صغيرة وفقيرة لا تملك من الإمكانيات والصلاحيات ما يستحق كل هذا الصراع، فلا معابر ولا مطارات ولا موانئ ولا اقتصاد ولا رؤوس أموال ولا مصانع ضخمة، وهي سلطة تحت الاحتلال، وكل ما في الأمر هو موقع القرار وإن كان حتى نصف قرار يشارك فيه المحتل.

أما الصورة الأشمل والأكثر وضوحاً جسدها مشهد الدم المسال على امتداد السنوات الخمس الماضية بهذا الشكل الفاقع في ليبيا واليمن وسورية والعراق، وكاد ينفجر في مصر والبحرين .. أما الدول التي لم تصلها حفلة الدم تلك ظل الصراع فيها كامناً ولا ثقة بين الأنظمة الحاكمة والقوى التي تتحين لحظة ضعف النظم للانقضاض عليه، وليس مهما في الطريق أن تتحطم الجيوش والمؤسسات والدول والبنى التحتية .. وحتى لو تحولت الدولة إلى ركام فهذا لا يهم ...المهم هو الوصول للسلطة.

أما عن التاريخ القديم فهو أكثر شراسة بمعايير نوع الأسلحة التي كانت تستخدم آنذاك فلم يتوقف الصراع بين العرب على الحكم والذي كان يجسد نفسه دوماً بالقتل والحرق والسجل والتقطيع، هذا الصراع الذي افتتح ليكون ضحيته الأولى الخلفاء الراشدون، الذين ماتوا كلهم قتلاً، أي أنه بدأ مع بداية تشكيل النظام السياسي والحكم منذ أن بدأ الرسول بالدعوة والعمل على توحيد العرب في مواجهة قوى كبرى في إطار نظام سياسي، لم تأخذ المسألة وقتاً طويلاً حتى بدأ الصراع على السلطة ومنها إلى يومنا هذا.

وزير الخارجية البريطاني "أنتوني نتنج" الذي عمل في خمسينيات القرن الماضي إلى جانب رئيس الوزراء الأشهر تشرشل كان خبيراً بشئون العرب، وألف كتاباً بعد تقاعده بعنوان "العرب من الجاهلية حتى جمال عبد الناصر"، استعرض خلاله تاريخ الصراعات على السلطة ويمكن القول: إنه لا صفحة واحدة لم تقطر دماً على امتداد الكتاب المليء بالمؤامرات والتصفيات والاغتيالات والحروب، والنموذج الحاصل في سورية هو امتداد لذلك التاريخ الطويل الذي كتب بدم الأخوة والأبناء، ووصل الأمر أحياناً إلى أن يقتل الأخ أخوته جميعا حتى يستفرد بالحكم.

هذا هو تاريخنا دون أقنعة موشحا بالسواد، وعلى مدار التاريخ شهدت كل شعوب العالم في فترة الجهل والعصور الوسطى قدرا من صراعات السلطة، لكن في لحظة تاريخية معينة وضعت حدا لتلك المجازر، واتفق كثير من دول العالم بما فيها بعض دول أفريقيا التي كنا نسخر منها على آلية تنظيم علاقات السلطة والأحزاب وتداولها واحترام الأغلبية والاحتكام لها ولصندوق الانتخابات، لكننا نحن ما زلنا في أسوأ مراحل الجاهلية وما زال السيف شاهرا وخيط الدم لم يتوقف، وعندما يصل الحاكم فإنه لا يفكر إلا بكيفية إجهاض الانقلابات والتربص للمعارضة وتخويفها وتشكيل أجهزة أمن حماية النظام وتلك ثقافة أصبحت جزءاً من الماضي بالنسبة للعالم المتحضر.

حالة التحفز الدائم والخوف التي يعيشها النظام الحاكم مدعاة للشفقة أحيانا وللسخرية أحيانا أخرى من قبل العالم الذي يراقب ما يحدث عندنا .. بل والأكثر هو كيف يطوع الحاكم الدولة وإمكانياتها ورجالها وقوانينها وعلاقاتها الخارجية وكل شيء لضمان استمراره بالحكم، ولا يوجد مصطلح الرئيس السابق إلا بالموت مثل جمال عبد الناصر وحافظ الأسد أو بالاقتلاع بالقوة مثل مبارك وزين العابدين بن علي.

والأسوأ من ذلك عندما تطول فترة الحكم وتصبح كل إمكانيات الدولة بيد الحاكم تتحول الدولة إلى ما يشبه الملكية الخاصة، فتتسرب ثقافة التوريث للأبناء بسبب ذوبان الفارق بين الملكية العامة والملكية الخاصة، ولذا رأينا جميعا حتى في الدول غير الملكية يبدؤون بتجهيز أبنائهم ودفعهم لمواقع قيادية تمهيدا لتسليمهم الدولة بالوراثة من الآباء للأبناء، ومستعدون من أجل ذلك لتصفيته حلفاء الأمس وشركاء الوصول للحكم، وحدث ذلك في أكثر من بلد عربي وعلى امتداد أكثر من عصر في زمن الصعود، وأيضا في زمن الانحطاط الحالي الذي يعيشه العالم العربي تبدو المسألة أكثر وضوحا.

الأمر ليس كذلك في إسرائيل ولا في الدول الغربية والديمقراطيات العريقة التي تشهد استقالات من الوزارات والمناصب ورؤساء الوزارات، كما حدث في بريطانيا بعد تصويت الخروج من الاتحاد الأوروبي عاد رئيس وزرائها للعيش كمواطن عادي قادر على التصالح مع نفسه، ولكن ذلك غير ممكن في العالم العربي، الأمر الذي يطرح سؤالاً حول علاقة العربي بالسلطة: هل هي طموح؟

لا ، فالمسألة أبعد من ذلك بكثير ولا حتى شهوة، بل إن العلاقة تبدو غريزية في علاقة العربي بالسلطة لأن الصراعات التي تدور بسببها والوسائل التي تستخدم لا تعكس علاقة عقلانية سوية، وإلا كيف يمكن فهم أن ينقلب الابن على أبيه ويضعه في الإقامة الجبرية؟ السنوات الخمس الأخيرة أعادت نبش تاريخنا المضرج بدم الصراع بين العرب، بعد أن اعتقدنا للحظة أننا تجاوزنا إرث الدم والقتل، لنكتشف أننا ما زلنا على عتبة الجاهلية وأن صندوق الانتخابات هو وسيلة للصراع وليس لتوزيع السلطة، وأن ما هو ظاهر من شكل للدولة بعيد عن مضمون ثقافة الاستبداد والحكم، وأن النظام السياسي القائم في كل دولة عربية ليس أكثر من ديكور لسيادة القبيلة وزعامة القبيلة وشيخها الأوحد.

نحن الفلسطينيين لم نفلت من تلك الثقافة وإن اعتقدنا أن سنوات الثورة خارج الوطن قدمت نموذجاً مختلفاً "ديمقراطية البنادق"، لنكتشف أن الأمر له علاقة بغياب الجغرافيا والسجون وسيطرة الأمن، لكن ما أن أصبح لدينا ذلك وإذا بنا امتداد لكل التاريخ العربي المتصارع، فلدينا ربع سلطة ولا انتخابات ولا تداول ولا صناديق اقتراع ولا ثقافة ديمقراطية.. نحن مثلهم أيضاً أسرى غريزة السلطة ومن يحلم بانتخابات أو بتداول سلطة عليه أن يقرأ سيرة العربي الطويلة .. ويقرأ تاريخنا في السنوات العشر الأخيرة ..! 

فن ومنوعات


حالة الطقس

فلسطين