بحث

أخبار اليوم

ما بعد حلب !

  • 12:03
  • 2016-12-14

 

معركة حلب على وشك الانتهاء والحسم. فهل تعلن روسيا وإيران «وميليشياتها» والنظام السوري عن انتصارهم العسكري العتيد؟ هل انتصر الحل الأمني الذي طرح كحل وحيد منذ خمسة أعوام، وأتى أكله اليوم بإعادة فرض السيطرة على معظم المناطق الحيوية السورية وبتثبيت حكم بشار الأسد، الذي سيترشح للانتخابات ويفوز بالأكثرية الساحقة!  كان الوزن الحاسم في تغيير مجرى الحرب لروسيا التي وضعت ثقلا عسكريا غير مسبوق لترجيح كفة النظام. غير أن الحسم العسكري والسيطرة الأمنية لا معنى لهما إذا لم يرتبطا بحل سياسي مقبول لدى أطراف الصراع.  ففي الحروب الأهلية والانقسامات والشروخ في نسيج المجتمع،  لا ينتهي الصراع بفرض إملاءات المنتصر على المهزوم عسكريا وإملاء حل سياسي من طرف واحد. كان يمكن لروسيا أن تستخدم ثقلها وحضورها لا في حسم عسكري تدميري بل في إيجاد حل سياسي، ذلك الحل المتفق عليه سابقا والذي أفضى إلى مؤتمر جنيف الأول والثاني، أو بتقديم حل آخر. لم تفعل روسيا ذلك ما جعلها طرفا منحازا لإنجاز الحسم العسكري أولا وقبل كل شيء. وذهبت كل الأسباب التي ساقتها الدولة الروسية أدراج الرياح، كالحفاظ على الدولة السورية ومنع انهيارها. 


لقد حافظت روسيا على النظام في الوقت الذي قوضت فيه مقومات الدولة ووحدة الشعب، عبر تدمير المدن والمستشفيات والبنية التحتية كاملة. لم يبق في حلب الشرقية ومن قبلها حمص والزبداني وداريا وغيرها من المدن والبلدات المنكوبة، غير الأطلال وبقايا المباني، بعد تشريد السكان في إزاحات سكانية ذات طابع مذهبي. ما معنى حفاظ  روسيا على دولة وتشريد مجتمع الدولة وتحطيم نسيجه الاجتماعي في الوقت نفسه؟ ما معنى رفض ومحاربة أصولية سنية والاصطفاف مع مليشيات شيعية أصولية في الوقت نفسه؟ ما يهم روسيا هو تحويل سورية إلى قاعدة عسكرية استراتيجية تمكنها من استعادة ووراثة النفوذ السوفياتي السابق، عبر إعادة الحياة لنظام كان يتهاوى ويذوي. إن إنقاذ روسيا لنظام الأسد جعل من الأخير أداة طيعة لروسيا ولإيران. حدث ذلك بعد أن أسقطت روسيا من الحساب مصلحة الشعب السوري والأهداف المشروعة التي طرحها في بداية ثورته السلمية (الحرية والديمقراطية والعدالة الكرامة). كما أن تحويل سوريا إلى قاعدة لروسيا لم يفتح في الأفق، ولم يرتبط بدعم حق سوريا في استعادة الجولان المحتلة.

ويبدو أن التفاهم الروسي الإسرائيلي أبقى على الأدوار الإسرائيلية على حالها،  فقد واصلت إسرائيل توجيه الضربات إلى بعض مواقع النظام والى تحركات حزب الله دون رد. وهذا يعني أنه لا حل للمسألة الوطنية السورية بوجود قواعد روسية، خلافا للوجود السوفييتي السابق الذي ارتبط بالمسألة الوطنية. 
إن وجود روسيا وتدخلها الحر في سوريا لم يستفز الإدارة الأمريكية السابقة وكان محط إعجاب الرئيس المنتخب ترامب. ذلك أن عناصر الالتقاء والاتفاق بينهما أكبر بكثير من عناصر الخلاف، فهناك اتفاق على بقاء النظام مع اختلاف آخذ بالتلاشي حول بقاء أو عدم بقاء رأس النظام. ويتفق الموقف الأميركي والروسي عند هدف محاربة الإرهاب وهزيمة داعش مع فارق أن أولوية روسيا حسم المعركة مع المعارضات الأخرى قبل الحسم مع داعش في مقابل التركيز الأمريكي على داعش، مع أن أمريكا لا تتورع عن استخدام أصوليين متعصبين كرافعة لتعزيز نفوذها وتدخلاتها. و ينفرد الموقف الأميركي في نجاحه الكبير في إفقاد ثقة السوريين وأصدقائهم بالمعارضة من خلال كيل الوعود بدون أفعال. وبالإجمال وبمعزل عن المواقع والمصالح فقد أخفق ما يسمى بالعالم الحر في تأمين الحماية للشعب السوري وفي استيعاب قضية اللاجئين، وفي وقف نزيف الدم والدمار والاقتلاع وفي تأمين الغذاء للجوعى وتأمين العلاج للجرحى والمصابين، وذهبت كل وعوده أدراج الرياح. سقط الغرب في سورية في اختبار حقوق الإنسان.


لن يؤدي الحسم العسكري الروسي في حلب إلى حسم سياسي، فالعنف يعيد إنتاج العنف، وبقاء الأسباب التي قادت إلى الانفجار الشعبي المدوي، ستؤدي إلى انفجارات جديدة. الحرب على سوريا لا تنتهي بحسم الحرب في سوريا. روسيا ليست لاعبا وحيدا، بعد أن أشعل الصراع الأطماع على النفوذ الإقليمي والدولي . تركيا لاعب له أجنده متعارضة مع أجندات دولية وإقليمية أخرى ولن تخرج بدون تحقيق أهدافها أو جزء منها، وإيران وميليشياتها كانت احتياطيا ثابتا للنظام أنقذته في البداية ولن تخرج بدون تحقيق أهدافها. والسعودية ودول الخليج لها أجندات أخرى ليس أقلها وقف التمدد الإيراني، وقد تتعارض الأهداف الإيرانية مع السياسة والأهداف الروسية. كل الأطراف تنطلق من مصالح خاصة ومتعارضة  ولا يوجد داخل تلك المصالح  حيز للشعب السوري، سوى استخدام معاناته وكوارثه، بل واستخدام مقاتليه كوقود دفاعا عن تلك المصالح. 


كان العنصر الأضعف في معركة حلب هو المعارضة السورية التي بدت فاقدة للإرادة والقدرة على اتخاذ قرار بمستوى ما يجرى على الأرض. مسار طويل من الأخطاء بدأ بالرهان على الموقف الأميركي، وبقبول التدخل السعودي الخليجي في شؤونها ومواقفها ما أدى إلى فقدانها للبوصلة، فلم تنحاز إلى أولويات الشعب السوري وقبلت بأولويات المانحين والمتدخلين. قبلت بالأسلمة المسلحة التي همشت الجيش الحر وهمشت حركتها السياسية. أخطاء كبيرة فصلتها عن نبض مواطنيها الذين تعرضوا إلى حرب اقتلاع وتدمير. كانت المعارضة جزءا من الأزمة ولم ترق إلى أن تكون هي البديل. وإذا بقيت على حالها، إذا لم تتمرد أجزاؤها الحية الديمقراطية والمستقلة على هذا الواقع المرير،  فإن النهايات ستكون مأساوية. آن الأوان لإعادة الاستقطاب والفرز والتمرد والاحتجاج. آن الأوان لخروج صوت يعبر عن نبض وأنين ومعاناة وإرادة الشعب السوري. آن الأوان لانبثاق معارضة مستقلة تضع النقاط على الحروف وتعلن الولاء ( للحرية والديمقراطية والعدالة والكرامة) أهداف الثورة الشعبية السلمية التي انطلقت من درعا وانتشرت في ربوع سوريا. كل الأصوات تخرج لتعبر عن الأطماع والمصالح ولا أحد يخرج ليعبر عن ملايين السوريين.

 
إن كل ما يرجوه  المرء الذي يحب سوريا وشعبها العظيم أن تتوقف الحرب الأبشع في تاريخ كل الحروب، وتخرج كل الجيوش والطائرات والمليشيات والمرتزقة من الأراضي السورية، ليحل مكانها قوة سلام من بلدان لم تتلوث أياديها بالدماء، تساعد في وقف ويلات الحرب التي فاقت الخيال في مستوى القتل والتدمير والتشريد. مطلب انتهاء الحرب لا  يعني الاستسلام للأمر الواقع، بل يعني التحول من الصراع الدموي إلى الصراع السلمي الديمقراطي،لتحقيق الأهداف السامية في الحرية والديمقراطية والعدالة والكرامة والاستقلالية.

فن ومنوعات


حالة الطقس

فلسطين