بحث

أخبار اليوم

حلب ...لعبة الليغو ومشاريع الوهم ...!

  • 19:05
  • 2016-12-16

 

من لا يعرف أن زيت التاريخ هو الدم فليجهز نفسه للحزن طويلاً،  لأن خريفاً عربياً ذيله مبلول بالدم سيطول قليلاً،  من لا يعرف أن كثير من الأمم وهي تقطع سباق التخلف على عقول مهترئة كانت تنتشي بالموت فليعد نفسه لوليمة من البكاء فليس المغول اّخر الطغاة وليست حلب آخر المدن.

لماذا تندلق العواطف في حلب وتتحجر في اليمن؟ فالدم العربي واحد الا اذا كان هناك من يريد أن يفتي لنا أن للدم المسفوح أكثر من لون واكثر من رائحة حسب العاصمة والمشروع والمال والفضائيات التي تريد أن تجعل منا قطعاناً لمشاريع دمرت بلاد العرب ولازالت تحلم بتحويله الى كومة من الخراب،  هم نفس الذين يبكون على حلب ألا تسقط في أيدي "الخطر الشيعي" هم أنفسهم من أسقطوا صدام حسين الذي كان يحارب المد الشيعي..كيف نفهم ذلك؟

إن أمة لا تستفيد من تاريخها ولا تقرأ تجاربها القريبة هي أمة مصابة بعمى الألوان والأرواح وعمى العواطف وعمى المستقبل،  هي نفس الدول التي أسقطت الدكتاتور في العراق والديكتاتور في ليبيا لتترك لنا في تلك الدولتين  مدناً من الركام والكراهية والمليشيات والقتل الى يوم الدين،  كانت سوريا على الطريق والآن كل الذين تباكوا بطش الديكتاتور في طرابلس وبغداد هم أنفسهم من يبكون حنيناً له بعدما انفرط عقد الأوطان وبالأحرى بعد أن انتهت جرعة التحريض الاعلامي وأشاحت كبرى الفضائيات وجهها بعد الانتهاء من مهمة التدمير قبل الانتقال لهدم عاصمة أخرى.

تدهشني قدرة المعارضة السورية على الفجور عندما تطلب المساعدة من اسرائيل، وتصيبني تقارير الأمن القومي الاسرائيلي السنوية بالخجل عندما تحدد أصدقائها وأعدائها في المنطقة ويصيبني بالاحباط نزيفاً عربياً فاض سيله من عاصمة الى بحار تنافس موجها على جثث المستغيثين من قسوة العربي الذي استهوته لعبة القتل حين لمعت في ذهن صاحب الخيمة لعبة الليغو مسخراً ماله وقناته مبشراً العرب بربيعاً كان يعرف أنه خريفهم الطويل.

وقعت الواقعة ولن يجدي كل الكلام ولا المقالات ولا الصراخ ففي الحروب يتسيد السلاح ولا يبق للكلمة مكان كما قال محمود درويش عندما سألوه لماذا لم يكتب في حرب بيروت؟ هي المعركة الأخيرة في حلب لها ضحاياها وقادتها وسادتها وفاتورتها وتجارها وخونتها والذين أدخلوها هذا النفق وباعوها الوهم والذين يصنعون مجداً على جثث رجالها ونسائها وأطفالها هذا هو التاريخ الذي لم يكتب الا عن دموع تشرشل ليس سوى لأنها كانت مسلحة بالصواريخ وغير ذلك فالعواطف تخلي سبيلها عندما ينتصر أو يتقهقر.

في كل الحروب هناك جيوش من الرأي العام تقف خلف كل رصاصة وخوذة جندي يعلنون النشوة عندما يتقدم جيشهم على جثث الآخرين وتندلق العواطف عندما يتقهقرون هذه طبيعة الأشياء وما يصنعه عالم الموت الذي يفقد فيه أي قيمة للحياة والانسان،  ونفس الذين  يلفهم الحزن لموت طفل بريء لا يرف لهم جفن لموت آلاف من الطرف الآخر هذه هي نظريات الحرب وهذه بشاعة الانسانية التي تكيل بأربعة مكاييل،  أو هكذا الأمر لدينا نحن العرب.

هذا اللا معيار في العواطف وادعاء الانسانية ربما له سببين أن شهوة الانتقام لدينا أعلى كثيراً من نزعة الانسانية التي نستلها فقط في حالة الضعف أو ندعيها دون قناعة لأن في كل منا فاشي صغير هو امتداد لارث عربي طافح بالدم والآخر أننا أمة لا تقرأ وعلى درجة من الأمية السياسية فتتلقف ما يقدمه لنا الاعلام الموجه من قبل المشاريع ونتعاطى معه كمسلمات وحقائق كأننا شهودها غير الزور أو جزء منها دون أن نعي أن هناك من تلاعب بدمائنا وتاريخنا الذي كان مجيداً يوماً ما قبل أن تسدل الستارة على مشهد الدم الأخير.

كان يمكن أن يسقط الديكتاتور في سوريا، ويمكن أن تصبح سوريا مثل العراق أو ليبيا هل كان سيضمن أحد أن تبقى الدولة موحدة وأن تتفق المعارضة التي ارتكبت ما يكفي من المجازر ضد بعضها حتى تقنعنا بمستقبل سوريا،  أو أن يبقى الديكتاتور كما كل القادرة العرب وبضمنهم قادة الامارات الصغيرة والممالك الذين يمارسون أبشع صور الحكم والبطش ، ومن قال أن ربيعاً عربياً اّخذ بالشروق ارتكب جريمتنا الأولى وها نحن ندفع ثمن وهم اعتقادنا أننا تحررنا من الوهم أن الديمقراطيات بكبسة زر من لا يعجبه الحديث بامكانه أن يرى نماذج انهيار الأنظمة لسوء حظنا هذا هو واقعنا العربي المرصع بالخيبات والوهم..في سوريا لا تسقط حلب بل أن جيشها سيستعيدها من السقوط ومن حق من استثمروا بالمليارات لاسقاط سوريا أن ينتحبوا طويلا ولكن نحن الفلسطينيون لنا حسابات أخرى ما يحدث بالنسبة  لنا كما تستعيد مصر سيناء فأين الغرابة في ذلك ؟ ومن يعتقد ان الأمر بلا ثمن ودم ودموع لا يقرأ تاريخ وهذه واحدة من مهمات جيوش الدول نبكي ضحايا حلب كما غزة واليمن ..ونبكيها أكثر لو انسلخت عن الأم وحكمها العابرون ..الشمس لا تغطى بغربال فضائية ومصفاة نفط ..!

فن ومنوعات


حالة الطقس

فلسطين