بحث

أخبار اليوم

رام الله الجميلة ستموت عطشى

  • 04:25
  • 2017-06-09

توجهت صباح  هذا اليوم الباكر الى مصلحة مياه القدس في المصيون للاستفسار عن سبب انقطاع المياه عن بيتي الكائن على طريق القدس ، فالمياه لا تصل لخزانات المياه منذ اكثر من شهر مما اضطرني لشراء مياه الصهاريج من الباعة المتجولين كي اتغلب على معضلة المياه خصوصا في شهر رمضان الكريم .

عند وصولي المصلحة استفسرت من احد الموظفين عن سبب المشكلة فقال لي ان موضوع شح المياه وانقطاعها هو موضوع عام ولا يستطيع الاجابة عليه كونه موضوع سياسي ويرتبط بالارادة الاسرائيلية  وهو موضوع اكبر مني ومنك يا استاذ.

عندها صممت على مقابلة المسؤول عن المصلحة لكن لسوء حظي كان مسافرا فتم تحويلي لمدير العمليات في المصلحة السيد بسام الصوالحي مع الاحترام وهو موظف مرموق ولديه الكثير عن مشكلة المياه العامة في رام الله ، السيد بسام المنهمك في محادثاته الهاتفية تارة عبر الهاتف الارضي واخرى عبر جواله واخرى عبر جوالات باقي الموظفين الذين كل دقيقة يدخلون عليه ويخبروه بان فلان او علان على الخط ويرغب بالحديث معك وهو بالطبع لم يرفض اي مكالمة كيف لا وهو مدير العمليات في مؤسسة نشاطها يتعلق بارواحنا.

بعد الانتهاء من محادثاته الهاتفية طلبت منه ان يمنحني خمس دقائق من وقته الثمين للاجابة على استفساراتي حول ازمة المياه في محافظة رام الله ، فابتسم قائلا تفضل استاذ ماذا لديك من اسئلة ؟؟؟فقلت انا اريد ان افهم سبب شح المياه في رام الله وكيف يمكن حل المشكلة ؟؟ فقال المشكلة تتلخص في انه بناءا على الاتفاقيات الموقعة مع سلطات الاحتلال يجب ان يتم تزويد رام الله بخمسة وثلاثون الف متر مكعب من المياه يوميا لكن المشكلة ان الشركة الاسرائيلية المزودة للمياه (ميكروت) لا تلتزم بهذه الكمية وانما تزودنا بنسب اقل بكثير تحت حجج واهية ..يضيف السيد بسام ان رام الله بنسبة سكانها الحاليين تحتاج لحوالي ستين الف متر مكعب يوميا من المياه لكن النسبة المتفق عليها مع الجانب الاسرائيلي كانت تكفينا قبل خمسة عشر عاما واليوم رام الله وقراها وكما ترى فيها نهضة عمرانية وازدياد سكاني مضطرد لدرجة ان نسبة استهلاك الفرد للمياه التي تصل لرام الله لا تتجاوز سبعين لتر يوميا بالمقارنة مع اسهلاك المستوطن الاسرائيلي القاطن في اي مستوطنة قائمة على اراضي رام الله حيث ان حجم استهلاكه للمياه يزيد على ثلاث مائة وخمسون لتر يوميا .

فقلت ومن هو المسؤول عن توزيع المياه بين اهل رام الله وسكان المستوطنات ؟؟؟قال ان من يسيطر على مصادر وموارد المياه في الضفة هم الاسرائيليين الذين يتحكمون بكل نقطة ماء في الضفة لذلك يا استاذ زيد الازمة سوف تتفاقم خصوصا مع ازدياد عدد السكان وبناء مشاريع ومدن واحياء عقارية جديدة واخشى ما اخشاه ان يأتي يوم على رام الله يكون نصيب الفرد فيها من المياه لا يتعدى العشرون لتر يومي نظرا للتطور العمراني وازديات عدد السكان وعدم التزام الاحتلال بضخ الكميات اللازمة لاستقامة حياة الناس في رام الله.واضاف ان مصلحة المياه تقوم بخطة لترشيد استهلاك المياه وتطوير الشبكات لكن ذلك لا يكفي لان الازمة في حقيقتها سياسية وليست تقنية وحلها بيد سلطات الاحتلال فقط .

عندها فهمت الموضوع واستأذنت من السيد بسام وغادرت وانا اضرب اخماس باسداس افكر في مستقبل عائلتي واطفالي في ظل هذه الازمة الخطيرة والمتفاقمة لدرجة اني تخيلت يوما قريبا قد نموت فيه من العطش القسري ويعم الجفاف مدينة رام الله فيموت الشجر والبشر وكأن الاحتلال يعلم هذا المصير ويسعى اليه فهو يعلم ان الماء هو احتياج اساسي للانسان.

قررت التمحيص والتعمق في الازمة من جوانبها القانونية فوجدت ان منظمة الصحة العالمية تعتبر انه لا بد من توفير مئة وخمسون لتر يوميا لاستهلاك الفرد كي يحيى حياة لائقة وللاسف معدلات الاستهلاك الفردية للمياه في رام الله لا تتجاوز سبعون لترا وكل ذلك بسبب الاحتلال وتحكمه في مصادر وموارد المياه بالضفة الغربية بشكل يتعارض مع القانون الدولي حيث ان اتفاقيات لهاي وجنيف الرابعة تحظر على القوة المحتلة استخدام المياه في الاقليم المحتل الا للضرورات العسكرية كما انها تحظر على اسرائيل نقل مياه الضفة الغربية الى عمقها في الاراضي المحتلة في العام 1948 وهو ما يعني ان سلطات الاحتلال تسرق المياه الفلسطينية وتعتدي على حقوقنا في وضح النهار بل وتعتدي على الاعراف والقوانين الدولية ذات الصلة بالموضوع المائي وهو ماينبيء بكارثة انسانية افتعلها الاحتلال وتسبب فيها.

في هذا السياق وبعد دراسة الملحق المتعلق بالموارد المائية في اتفاق اوسلو وجدت ان اسرائيل تعترف بحقوق شعبنا بموارده المائية لكنها لم تلتزم بما جاء بهذا الملحق واستمرت بالسيطرة والتحكم اكثر في هذه الموارد بل وانها احتفظت لنفسها بمنع الفلسطينيين من اقامة المشاريع المائية وحفر الابار الارتوازية لاستخراج المياه الجوفية دون ترخيص مسبق من الادارة المدنية  .

لا اغالي حينما اقول ان ما ينطبق على رام الله في هذا الشان ينطبق على كل مدن الضفة وخصوصا منطقة الشمال لكني اخترت الكتابة عن ازمة المياه في رام الله كنموذج لجريمة احتلالية سادية لا يستوعب العقل البشري وقائعها واسبابها فكيف لحكومة الاحتلال ان تسعى لاعدام شعب باكمله من خلال تعطيشه ومنعه من استهلاك مياهه؟؟؟

الاهم في الموضوع انني اكتشفت ان اسرائيل تمتلك الان اربع محطات تحلية لمياه البحر اهمها محطة سوريك وهي المحطة الاضخم على مستوى العالم والاكثر تطورا وتسعى اسرائيل الى توفير ما يقارب 800 مليون متر مكعب من المياه  سنويا كأحتياطي مائي مكرر،  والاكثر خطورة  في ذلك هو ان حكومة الاحتلال  وعلى ما يبدو من خلال افتعالها لازمة المياه في مطلع هذا الصيف تسعى لارغام الفلسطينيين على حل ازمة المياه التي نعاني منها من خلال شراء المياه من محطات التحلية الاسرائيلية وهي محطات خاصة وفي اعتقادي ان مثل هذا المسعى البائس اذا كتب له النجاح سيدخلنا في اتون ازمة مياه جديدة اخطر من الازمة الحالية و لكن لاسباب اقتصادية ومالية سيما وان سعر المتر المكعب لمياه هذه المحطات سيصل  لمناطق الضفة بتكلفة 10 شيكل على الاقل للمتر المكعب الواحد بعد ان كانت التكلفة حوالي اثنان شيقل ونصف وبالحالتين نحن نشتري مياهنا وهي ملكنا وحقنا الثابت  وهذا بحد ذاته جريمة سرقة دولية  لمياه ملكيتها ثابتة في وضح النهار دون خوف او وخجل .

بكل الاحوال علينا ان نتذكر أن جولدا مائير قالت يوما ما ان المياه هي روح اسرائيل وشارون من بعدها قال لا يمكن المغامرة والمخاطرة بتسليم المياه في الضفة للفلسطينيين ..ويضيف يجب ان نحتفظ بالسيطرة على مصادر المياه في الضفة في اطار اي حل سياسي مع الفلسطينيين.

بعد كل هذا كله استطيع ان اتنبأ بكارثة انسانية كبرى ستحيق برام الله  ترتبط بشح المياه خصوصا مع ازدياد عدد السكان وعدم كفاية حصة رام الله من المياه التي يحولها الاسرائيليين للمحافظة وهي أزمة مفتعلة فالاحتلال يستثمر بازماتنا حتى وان كانت تتعلق باحتياج اساسي انساني لاستقامة حياتنا وبالنتيجة اذا استمر الوضع المائي لمدينة رام الله بهذه الصورة  ودون حل هذه الازمة بتدخل دولي بالضغط على حكومة الاحتلال لانهاء الازمة وارغامها على احترام حقوقنا المائية استطيع ان اقول بثقة ووجل كبيرين ان رام الله الجميلة ستموت عطشى.

فن ومنوعات


حالة الطقس

فلسطين