عشت في زمن ياسر عرفات
تاريخ النشر : 2014-02-22 18:08

هذا هو العنوان الملفت، للكتاب الجميل والعميق المفعم بالصدق والشجاعة الذي اصدره الاخ والصديق العزيز احمد عبد الرحمن في نهاية العام الماضي، والذي صدر عن الاتحاد العام للكتاب والادباء الفلسطينين ومؤسسة ياسر عرفات في مدينة رام الله في اكثر من ثلاثمائة صفحة باستثناء المقدمة وملحق الصور، وعندما وصلتني نسخة من الكتاب شعرت بفرحة كبرى لسببين مهمين للغاية، اولهما انني اعرف احمد عبد الرحمن منذ العام 1969، حين تزاملنا معا في اذعة صوت العاصفة التي كانت تبث من العنوان الاشهر 4 شارع الشريفين بالقاهرة المتفرع من شارع قصر النيل، وكنا ضمن تلك الخلية الاولى المؤسسة لاذاعة صوت العاصفة، وهي خلية مدهشة كتب عنها بجمال وادهاش الاخ والصديق العزيز نبيل عمرو، حيث صدر كتابه قبل ايام قليلة، وكنت قد كتبت مقدمة قصيرة له ثم كتبت عنه في جريدة الحياة الجديدة.

اما السبب الثاني، فان موضوع الكتاب، ورمز الزمن الذي عشناه وهو الرئيس ياسر عرفات، كان ظاهرة لن تتكرر الا قليلا في الزمن الانساني، انه زعيم سياسي من الطراز الاول، كما انه بطل تراجيدي من الطراز الاول في ان واحد، وبما انه كذلك، فقد احتوى في مجاله الحيوي، في دائرة الفعل اليومية، اجيالا فلسطينية عديدة، وكان القريبون منه كثيرون سواء في اطار العمل العسكري او الاعلامي او الدبلوماسي او العلاقات الخارجية عربية ودولية، وبما انه كان قوة الالهام الكبرى لتلك القافلة العجيبة الخارقة وهي القافلة الفلسطينية التي اختارت ان تعبر المسافة المستحيلة من الغياب الى الحضور، ومن الحلم الى الفعل ومن المنفى الى الوطن فلسطين، فانه يستحق كل ما يجب ان يقال عنه ويخلد ذكراه وينصف تجربته ويعترف بفضله، ولهذا فان احمد عبد الرحمن لم يقدم عن ياسر عرفات سيرة شخصية، ولا بحثا سياسيا، ولا مقولات يجب ان تتلى كتراتيل مقدسة، بل كتب من مسافة قريبة، قريبة جدا عن زمن ياسر عرفات، ويا له من زمن متلاطم يعجز عنه الوصف،لا يظهر منه في كل لحظة،كما جبل الجليد، الا جزءا يسيرا فوق سطح المحيط، اما ما هو اعظم فيظل في الاعماق، وهكذا تتقاطع الرؤى، ويختلف المدى، وتتباين الصور، وتختلط التفاسير والتأويلات الى مديات شتى.

ثم ان ياسر عرفات الذي رأى في اول شبابه كيف وقعت النكبة الفلسطينية بكل فواجعها، فقد كان مناضل مع عبد القادر الحسيني في صفوف جيش الجهاد المقدس الفلسطيني الذي عاداه جميع من شاركوا في حرب فلسطين واعتبروه العدو الاول! ورأى فلسطين وهي تشطب نهائيا من كل الخرائط وتغيب عن كل المحافل، ويصرخ الجميع باسمها وهي ممنوعة من الكلام، حمل نفسه بمهمة اصعب الف مرة من المستحيل، فكان انه تسلل من الشقوق الضيقة ليصنع لنفسه اول عنوان فلسطيني بعد النكبة، وهو رابطة طلبة فلسطين في القاهرة، ثم ساهم بجهد خارق مع زملائه في تأسيس حركة فتح، واطلق مع اخوته المؤسسين الثورة الفلسطينية المعاصرة، وعاد الى فلسطين ليضع اول موطن قدم، ويرسي اول مدماك في بناء دولة فلسطين وليس اي بلد آخر.

كتاب احمد عبد الرحمن المكون من ثمانية وعشرين فصلا، كل فصل له عنوان يوحي بخلاصته، يركز بشكل كثيف وواعي على هذا الزمن الذي عاش فيه وشارك فيه وهو " زمن عرفات " انه لا يسرد احداثا بقدر ما يضيء بوعي الحقائق المتعلقة بجدل لماذا حدث ذلك الذي حدث، وكيف كان زمن ياسر عرفات كله اشتباكا متواصلا بعناوين مختلفة دفاعا عن الهوية الفلسطينية التي اتفق كثيرون عربا وعجما مع اسرائيل وحلفائها انها ليس لها مكان، زائدة عن الحاجة، خارج الترتيبات! ولكن عرفات الزعيم السياسي والبطل التراجيدي خاض كل هذه المعارك لكي يقر الجميع بان الوطنية الفلسطينية لها مكان، وهي اصل المسألة!

وبما انني لا استطيع ان الخص لكم ثمانية وعشرين فصلا وهي فصول كتاب احمد عبد الرحمن، فأنا ادعوكم باخلاص وحب ان تقرأوا الكتاب، اطلبوه، ابحثوا عنه، ابذلوا جهدا ليكون بين ايديكم، تسلحوا ايها الفلسطينيون بقوة الحقائق القاسية، واخبئوا ا ايامكم بألق الذاكرة الوطنية، فهذه زوادتكم التي تنفعكم في صعودكم الى الحقيقة الفلسطينية، الى فلسطين الدولة المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.

[email protected]