نظرات في مدرسة عرفات السياسية
تاريخ النشر : 2014-02-24 16:57


 الحديث عن طبيعة تفكير الزعماء في القضايا الصعبة والشائكة هو من أجل التعلم والاستئناس والاستفادة من تجاربهم وأفكارهم ، وحتى يكون الحكم على ممارساتهم صحيحا يجب الإحاطة بالأرضية الفكرية التي ينطلقون منها وليس التوقف عند بعض المواقف المبتورة ثم إصدار الأحكام سواء كانت بالإيجاب أو بالسلب لأنه سيطالهم ظلم كبير من البعض الذين لا يتعمقون داخل الأفكار ويصرون على البقاء في المنطقة السطحية .
الرئيس الشهيد ياسر عرفات – رحمه الله – كان له فلسفة سياسية خاصة به في تعاطيه مع الفعل السياسي من خلال قيادته لعقود من الزمن للثورة الفلسطينية وإدراكه وإيمانه بعدالة قضيته ومدى ظلم خصومه ، وكان يعتبر نفسه من خلال القضية التي يحملها ندا قويا لكل خصومه ولا يعترف بالضعف أبدا وكان يكرر مقولته " إذا كان بإمكان أحد من صنع السلام في المنطقة بدوننا فليتفضل " ، ويقول " قاطرة السلام إذا انطلقت في الشرق الأوسط فيجب أن تتوقف طويلا أمام المحطة الفلسطينية " .
من هذه الفلسفة كان يبني سياسته أنه ليس الطريف الضعيف في المنطقة بل هو الطرف الأقوى لأنه يمتلك مفتاح الحرب والسلام ، وهو القادر على مواجهة كل القوى بحكم تجذر شعبه في قلب الأرض التي يطمع بها خصومه .
وتؤمن مدرسة الرئيس ياسر عرفات السياسية بأنه لابد من امتلاك كل مصادر القوة بكافة أنواعها ولكن يجب تنظيم استخدامها وتقديم الخيار المناسب في اللحظة المناسبة مع الجاهزية الكاملة لكل الخيارات الأخرى ، ولا يرى أي تناقض بين الفعل السياسي والاستجابة للضغوط والاعتراف بموازين القوى الحاكمة وبين امتلاك قوة المواجهة ، ولا يرى تناقض بين لغة السلام الناعمة والمهادنة وبين لغة القوة إذا لزم الأمر .
الفعل السياسي والفعل العسكري متلازمان ولا يتناقضان أبدا بل يكمل إحداهما الآخر خاصة عندما يكون أمامك خصم شرس يمتلك ويتلاعب بكل الخيارات ، وبالتالي لكل خيار يستخدمه خصمك يجب مواجهته بذات الخيار ، وليس من الحكمة أن يشعر خصمك الشرس بعدم تنوع خياراتك فلا يحسب حسابا سوى لخياراته التي تحقق مصالحه .
مدرسة الفعل السياسي هذه تدرك أن المجتمع الدولي لا يحترم الضعفاء بل - بحكم انحيازه للخصم - لا يحتمل ألم ووجع حليفه وبالتالي سيكون اهتمامه مركزا نحوك أكثر كلما شعر بالخطر يقترب من حليفه ، ليس الخطر العسكري فحسب بل يمتد للخطر السياسي أيضا . ومن هنا فإن هذه المدرسة تعطي للفعل السياسي هامشا كبيرا بل تعتبر امتلاك القوة العسكرية هي ممرا إجباريا لتحقيق الانجاز السياسي وهو الهدف في نهاية المطاف .
وتعتبر هذه المدرسة أننا طرفا اساسيأ ومهما في معادلة الصراع بقدر أهمية الطرف الآخر للمجتمع الدولي لأن وجوده مرتبط تماما بوجودنا ولا يمكن تجاوز مطالب الشعب الفلسطيني والاتفاق معه لأن ذلك جزء أساسي من ترتيبات المنطقة ولذلك تجد قضيتنا تأخذ هامشا عميقا من اهتمامات المجتمع الدولي تفوق الاهتمامات بالقضايا الدولية الأخرى .
هذه المدرسة تلتقط كل الفرص المتاحة لتحقيق أهدافها وتنسج تحالفاتها في اتجاهات مختلفة مستفيدة من المتغيرات المتواصلة ولها في قلب كل متغير نصيب ولا تغلق باب اجتهادها في قبول أو رفض كل عرض أمامها وتعطي كل فرصة حقها من البحث والنقاش والوقت والجهد واستخدام الأدوات التي تناسبها وموقفها واضح وصريح من كل قضية ، ولا تنكر أن لديها أكثر من عين في رؤية كل تطور أو عرض يتم عرضه عليها .
هذه المدرسة تمتلك وتستخدم كل اللغات وتنسج علاقات على أوسع نطاق وتستطيع تجنيد كل من يتفق معها ولو بجزئية بسيطة ولا تهمل أي طرف مهما كان ضعيفا أو هامشيا ، وهي تنتمي للمدرسة البراغماتية المنفتحة وترفض التطرف في أي شيء فهي قريبة من كل الأطروحات والأفكار ويكاد كل فرد في المجتمع يجد مكانه الطبيعي بداخلها لو أراد ذلك .فهي مدرسة المدارس الفكرية جميعها . لذلك تحتاج الى الكثير من الشرح والتحليل