نبيل عمرو يكتب عن القضاء
تاريخ النشر : 2019-07-21 10:04

 

وصفت الإجراءات التي اتخذها الرئيس محمود عباس بشأن الجهاز القضائي بأنها جراحية، وحظي تكليف القاضي عيسى أبو شرار بترحيب ملحوظ في الأوساط الشعبية والرسمية ذات الصلة، فما أعرفه عن الرجل أنه مهني ولا يتبع أي اجندة تحول بينه وبين ان يكون موضوعيا في معالجة شؤون القضاء، لذا يتعين على كل من يريد ان يرى في بلادنا جهازا قضائيا كفؤاً وفعالا ان يتعاون مع الرجل وان يقدم له كل ما تحتاج وظيفته من دعم واسناد وتسهيلات، كي يتحقق ما نصبو اليه بحده الأقصى أي انهاء الخلل الذي اعترى الجهاز منذ زمن فأهمل حتى تفاقم وبدا كما لو انه غير موجود بحكم تراكم القضايا التي بلغت الالاف دون بت، او بالحد الأدنى وهو وقف التدهور المتسارع ولو بتثبيته عند الحدود الدنيا لقضاء فعال.

 

غير ان ما ينبغي الانتباه اليه ونحن بصدد معالجة الخلل في اهم مكونات السلطة أي المحاكم والقضاء وانفاذ القانون، ان الضمانة الأساسية لمعالجة أي خلل في أي مؤسسة من مؤسسات السلطة لن يكون بصورة نهائية وحاسمة باستبدال اشخاص ما اسهل ان تنسب اليهم أسباب التردي وانما في معالجة شاملة لوضع السلطة التي لا تعاني فقط من ترهل الجهاز القضائي بل ان ما أصاب هذا الجهاز أصاب كل مؤسسات السلطة، ولذلك سبب جوهري وهو غياب دور المؤسسات الرئيسية التي تتولى التشريع والمتابعة والرقابة والمحاسبة، وفي صلبها المجلس التشريعي المنتخب، الذي تغاضينا عن انهاء دوره لسنوات طويلة ثم تم حله دون اتخاذ خطوات عملية لانتخاب بديله، رغم يقين جماعي بأن المجلس المنتخب هو الوصفة الأكثر فاعلية ونجاعة لتكريس نظام سياسي حديث يقوم على مبدأ فصل السلطات واعتماد الانتخابات كوسيلة وحيدة لضمان أوسع مشاركة شعبية في القرارات السياسية الداخلية والخارجية.

 

اننا نسعد كلما تولى شخص كفؤ مهمة ذات شأن في السلطة، ونسعد اكثر كلما ظهر نجاح مهما كان متواضعا في أداء مهام السلطة، غير ان ذلك ليس غير كاف فحسب بل انه اذا لم يقترن او ينتج عن عمل مؤسساتي متكامل الوظائف والأداء، يقودنا الى حال عبثي ما ان نغلق ثغرة في مكان حتى تنفتح ثغرات في مكان آخر، وهذه الحالة لا تبني نظاما ولا كيانا ولا تؤسس لذلك الهدف الذي نتطلع اليه جميعا وهو بناء دولتنا المستقلة كأحد خلاصات كفاحنا الوطني الصعب على مدى عقود.

 

في الدول والكيانات مهما كان اسمها ومهما كانت طبيعتها وحدود السيادة فيها .... حكم ذاتي محدود او موسع او شبه دولة او دولة، او حتى عشيرة فإن احد اهم مقاييس التقدم والمستوى الحضاري هو كفاءة الجهاز القضائي ورسوخ دوره في الحياة العالمة وبذات القدر تقوّم كفاءة الكيانات المكونة للسلطة بمتانة ورسوخ دور المؤسسات المنتخبة وام هذه المؤسسات البرلمان، واهمها وأكثرها حيوية والتصاقا بمصالح الناس المجالس المحلية والهيئات النقابية دون استثناء الرئاسة التي ينبغي ان تكون ومن خلال دورية تجديد شرعيتها صاحبة الأولوية كونها العنوان الأبرز للكيان كله.

 

حين نقول هذا الكلام البديهي والذي تقاومه الطبقة السياسية المتشبثة بمقاعدها الوهمية خشية ان تعصف بها الانتخابات فإننا نكون قد تعلمنا الدرس الذي مرت به كيانات كبرى ومتوسطة وصغرى، فقد تعرفنا على الكوارث التي حلّت بتلك الكيانات جراء تخليها عن صندوق الاقتراع النزيه الذي ينتج مؤسسات ذات مصداقية، ونحن الفلسطينيون لسنا استثناء من هذا القانون الانساني الذي ينطبق على كل الشعوب والمجتمعات والنظم السياسية على مختلف مسمياتها ، لسنا استثناء بل نحن مثل الاخرين ولن يصمد طويلا ذلك الزعم الساذج الذي يتبناه كارهو الانتخابات بأن ظروفنا مختلفة ولا تسمح.