العدو المشترك بين إسرائيل ومصر وحماس
تاريخ النشر : 2019-09-01 15:28

رام الله - صوت الحرية - كتب الصحفي الاسرائيلي الشهير شلومو الدار : 

العمليات الانتحارية (الاستشهادية) التي استخدمتها حماس كثيرًا أيام الانتفاضة الثانية (2000-2005)، أصبحت في العاميْن المنصرميْن سيفًا ذا حدين يستخدم ضدها، وقد صرب رجالها مرتيْن، المرة الأخيرة كانت يوم الثلاثاء الماضي (27 أغسطس) عندما فجر انتحاريان سلفيان نفسيهما في نقطتيْن للشرطة الحمساوية، وقتلا ثلاثة من رجال الأمن التابعين للتنظيم.

أما المرة الأولى فكانت قبل عامين (أغسطس 2017) عندما فجر مخرب انتحاري نفسه بالقرب من المعبر الحدودي في رفح، وقتل قائدًا كبيرًا في ذراع التنظيم العسكرية. في أعقاب العملية التي أصابت قادة حماس بالذهول حينها، نشر التنظيم بيانًا جاء فيه أن "القائد الميداني نضال الجعفري استشهد بعد تفجير أحد الأفراد ذوي الأيديولوجية المنحرفة نفسه بالقوة الأمنية على الحدود مع مصر".

 

 

المخرب السلفي لم يوصف بالشهيد، وبعبارة "ذوي الأيديولوجية المنحرفة" قصدت حماس التنظيمات السلفية التي ظهرت وترعرعت في سيناء ونجحت في تشكيل خلايا تخريبية في قطاع غزة. في هذه الأيام يُعتبر هؤلاء عند أكثر من طرف "مارقين"، أي أولئك الذين ينظرون إلى حماس على أنها تنظيم ضلّ طريقه وهجر الجهاد وأصبح متعاونا مع مصر التي تطارد السلفيين حتى الموت، ومع إسرائيل؛ هذه الثلاثية (حماس مصر وإسرائيل) يعتبرها السلفيون عدوًا كافرًا على حد سواء، ينطبق عليهم حد القتل باسم الله.

العملية في معبر رفح قبل عامين نفذت بعد أن طرأ تقارب بين حماس ومصر، وتعهد قادة التنظيم في القطاع بقطع الاتصالات مع عناصر الجهاد العالمي ("داعش" ووكلائها) مقابل شطب حماس من قائمة التنظيمات "الإرهابية" التي أعلنتها مصر. بشكل مفاجئ، قررت حركة حماس الانفصال عن الحركة الأم "الاخوان المسلمون" لكي ترضي الرئيس السيسي لا أكثر، والتعاون مع المخابرات المصرية ومنع تهريب السلاح من القطاع وإليه؛ هكذا بين عشية وضحاها أصبح أعضاء ذراع حماس العسكرية الذين كانوا حلفاء لـ "ذوي الأيديولوجية" أعداء.

 

المخربان الانتحاريان اللذان فجرا نفسيهما، الأسبوع الماضي، في غزة لم يأتوا من مصر، وإنما من غزة، من وسط أبناء شعبهم، فلسطينيان مسلمان مؤمنان، والمشتبهون المباشرون بالتخطيط للعملية هم هذه المرة أيضًا التنظيمات السلفية. في الأشهر الأخيرة، وفي ظل سياسة ضبط النفس التي تنتهجها حماس مع إسرائيل ودفع الاتفاق، استوعبت هذه التنظيمات في أذرعها "الذين خاب ظنهم بحماس"، الذين انسحبوا من بين صفوف التنظيم الذي حاد عن الطريق.

في أعقاب العملية، شرعت حماس في موجة اعتقالات شاملة في أنحاء قطاع غزة. حتى وقت قريب، امتنع التنظيم عن اعتقال النشطاء السلفيين "المارقين" لأن مطاردتهم واعتقالهم لن تزيد المعارضين إلا قوة، وتبعث الحياة في مزعم زيغهم عن طريق الجهاد. لكن الآن ضربهم "الإرهاب" في خاصرتهم الضعيفة، وأثبت أن المخربين الانتحاريين يستطيعون أن يضربوا من هلل ومجد سلاح الاستشهاديين والتقدم نحو أهدافهم وتعزيز مكانتهم على الساحة الفلسطينية الداخلية.

كل خلية سلفية تتكون من بضع عشرات من النشطاء إجمالًا، لذلك فإن تعقبهم استخباريًا والتغلب عليهم هو أمر معقد. التنظيمات السلفية "أنصار بيت المقدس - سيناء" و"جيش الأمة" انقسما خلال السنوات الأخيرة على خلفية العمليات والتغييرات التي مرت بها "داعش" خلال الحرب الأهلية في سوريا، وفي ظل هزيمتها في العراق. الحصول على معلومات أمنية دقيقة عن تحركاتهم يتطلب مجهودات كبيرة، ولهذا الغرض تتعاون كل من مصر وإسرائيل فيما بينهما، التعاون الأمني الفاعل أدى إلى تحسن كبير في العلاقات بين البلدين وإلى دفء في السلام البارد في ظل المصلحة المشتركة: محاربة الجهاد العالمي والتنظيمات السلفية التي حولت شبه جزيرة سيناء إلى قاعدة لها.

حسب ما نشرته "نيويورك تايمز" (2018)، منذ العام 2016 هاجمت إسرائيل من الجو أكثر من مائة مرة على الأرض المصرية بهدف مساعدة نظام السيسي؛ المساعدة الإسرائيلية بدأت بعد إسقاط الطائرة الروسية في جنوب سيناء (أكتوبر 2015)، والذي كان ذروة هجمات "داعش" في شبه الجزيرة. الهجمات الإسرائيلية - حسب التقرير - في "نيويورك تايمز" وقعت في بعض الأحيان بمعدل أكثر من مرة في الأسبوع، وجميعها بموافقة الرئيس السيسي.

في لقاء مع شبكة CBS، وخلال زيارته لواشنطن (يناير 2019)، اعترف السيسي بأن التعاون مع الجيش الإسرائيلي هو تعاون واسع. وتجدر الإشارة إلى أن المقصود ليس مجرد دخول الطائرات الحربية المجال الجوي المصري أو إدخال القوات المصرية إلى المنطقة المعزولة من السلاح في سيناء؛ رئيس "الموساد" يوسي كوهين ورئيس "الشاباك" نداف أرغمان يذهبان إلى القاهرة بين الفينة والأخرى في محادثات عمل، وفي بعض الأحيان أكثر من مرة في الشهر الواحد.

لهذا التعاون الأمني أيضًا حجر موقد ثالث: حماس. في العلاقات المعقدة المتقلبة بين حماس وإسرائيل، مصر تقوم بدور كبير وبوساطة فاعلة ومجدية ولاجمة تعتبر التنظيم الحاكم في غزة شريكًا كاملًا ضروريًا في الحرب التي تديرها - بصحبة إسرائيل - ضد الجهاد العالمي ووكلائه في سيناء ومجروراته السلفية النامية في غزة مؤخرًا. لولا هذا الهدف المشترك، فهناك شك في أن السيسي كان سينقذ حماس لكونها حركة من لحم ودم "الاخوان المسلمين"، كذلك إسرائيل أيضًا لنفس المصالح تقريبًا فإنها تحافظ على بقاء حكم حماس في غزة، وتمتنع طوال سنوات حتى خلال العمليات العسكرية الكبرى في القطاع عن إسقاطها. في إسرائيل يخشون من أن الفراغ الذي ستتركه حماس - في حال سقطت - ستملؤه التنظيمات السلفية في غزة ويتشكل تهديدًا أمنيًا كبيرًا على إسرائيل دون أن يكون في قطاع غزة أي جهة لاجمة أو سيادية مسؤولة يكون من الممكن تحميلها المسؤولية؛ لذلك فإن إحباط التهديدات التي تواجهها حماس من قبل التنظيمات السلفية في غزة أو في سيناء هو دون أدنى شك مصلحة إسرائيلية مصرية على حد سواء.