الإغلاق يُلحق خسائر فادحة بمزارعي أريحا والأغوار وبآلاف العمال
تاريخ النشر : 2020-12-19 17:03

صوت الحرية - 

على حافة الطريق عند زاوية السوق في أريحا، يجلس مزارعون وباعة يحتسون القهوة والشاي الريحاوي من بسطة (حبيبو) يحاولون مواساة بعضهم، في ظلّ الإغلاقات المتكررة التي تشهدها المحافظات الفلسطينية للحدّ من تفشي فيروس كورونا، متخوفين من خسائر فادحة قد تلحق بهم وبالعائلات المستفيدة من القطاع الزراعي، ما دفعهم إلى إطلاق مناشدات للرئيس محمود عباس ورئيس الوزراء محمد اشتية على أمل "إنقاذ موسمهم".

ويكل القطاع الزراعي في أريحا والأغوار سلة الغذاء الأولى لفلسطين، وهو أحد مقومات الاقتصاد الفلسطيني، وأحد أكبر المشغلين للأيدي العاملة، وتُضخ فيه مئات ملايين الدولارات في كل موسم، الأمر الذي دفع رئيس الغرفة التجارية في أريحا تيسير الحميدي إلى التحذير من خطورة الإغلاق على الموسمين الزراعي والسياحي، ومطالبة المسؤولين ولجنة الطوارئ بإلغاء الإغلاق وتشديد الرقابة على الالتزام بإجراءات الوقاية.

الإغلاقات "كارثية"..

ويصف المزارع محمد الطوري الإغلاقات بـ "الكارثية" على المزارعين، باعتبار أنها تسد معظم نوافذ وبؤر التسويق في المدن والقرى، وبخاصة محلات الخضار والفواكة والبسطات والعربات التي تستوعب الإنتاج المحلي في ظل غياب التصدير للخارج، وإغراق الاسواق الفلسطينية بالمنتجات الإسرائيلية.

ويقول الطوري، إنه يزرع 200 دونم خضروات وعشرات البيوت البلاستيكية وقد استثمر مبالغ كبيرة، وترتبت ديون طائلة على هذا الاستثمار، وهناك عشرات العمال والبيوت التي تعتاش من هذه المزرعة، "وقد استنزفنا كل أموالنا وجهودنا وأوقاتنا من أجل الزراعة والارتباط بالأرض"، مضيفاً أن "قرارات الإغلاق أصابتنا في مقتل، فالخضروات تحتاج إلى قطف يومي، والإغلاق سد كل منافذ التسويق، كيف للتجار أن يبيعوا؟ ولمن؟ إذا كانت كل المطاعم والمحلات التجارية ومحلات الخضار بالمفرّق والبسطات والعربات في الشوارع والأحياء لا تعمل؟".

من جهته، يرى عبد القادر، الذي يعمل في سوق خضار أريحا المركزي منذ عقود، أن الإغلاق ألحق خسائر كبيرة بالقطاع الزراعي، سواء للمزارعين أو التجار أو المرتبطين به، مشيراً إلى أن تجار الخضار يخافون المجازفة في شراء الخضروات لأن جميع المحلات والمطاعم والبسطات ومراكز البيع مغلقة، وبالتالي يقل الطلب وتنخفض الأسعار بشكلٍ كبير.

وأضاف: إن الوضع "كارثي"، وإن صوت المزارعين وصرخاتهم ليس لها صدى سوى في غرفة تجارة أريحا، لكننا نحتاج وقفة جادة لإنقاذ الزراعة والمزارعين.

وقال جعفر اسعيد، وهو يقف بجوار سلسلة من المركبات التي تحمل الخضروات بانتظار من يشتريها: "ما فيش تجار، يوحد إغلاق، لمين بدهم يشتروا؟".

أسعار لا تغطي التكاليف..

ويتابع: "كما ترى الخضروات، بكسة الخيار بـ 15 شيكل، والزهرة بـ15 و20، والأسود (الباذنجان) بـ10 و5 شيكل، يعني أسعار في الأرض ما بتغطي تكاليفها، ونحن في عز الموسم، وأسعار اليوم أقل من النصف مقارنة بالموسم الماضي".

ويحاول موسى الحاوي أن يدلل على الخضار ويستخدم كل عبارات الود مع التجار (يا زلمة قرّب شوف خيار مخلل لبلوب، بعشرين الك"، ويعيد مرات ومرات ولا حياة لمن تنادي، ثم يقول (بـ16 اجبُرهم يا فلان)، وحتى بهذه الأسعار يتمسمر التجار يراقبون فقط، أحدهم يفتح خط تلفونه ويتحدث مع التجار في الخليل ويحاول إقناعهم، ثم يقفل وخيبة الأمل على وجهه، وعندما سألناه رد: "يا عمي في إغلاق الكل خايف، وين بدنا نروح بالبضاعة؟

واستهجن المزارع أبو محمد تحديد ساعات عمل محطات المحروقات، بالقول إن المزارعين ينتهون من سوق الخضار عند الثامنة صباحاً ويضطرون للانتظار حتى الساعة العاشرة للتزود بالسولار والبنزين لآلياتهم ومعداتهم، ألا يكفينا معاناة تصريف الخضروات لنعيش معاناة الانتظار؟".

ويستمر مسلسل عرض بضاعة المزارعين، البعض في سيارات خصوصية، والبعض الآخر على تراكتورات زراعية وعربات الخيل والبغال والحمير، وفي بعض الأحيان على الدراجات، مشهد يعبر عن شح الإمكانات والموارد وقلة الحيلة للمزارعين الذين أنهكتهم المصاريف والمتطلبات مع ارتفاع تكلفة المواد الزراعية من بذور وأشتال وأدوية وسماد وكهرباء ونقل وأيدٍ عاملة، وانتهاءً بأهم حلقة يعاني منها القطاع الزراعي وكل القطاع الاقتصادي، ألا وهو التصدير والتسويق.

تمسك المزارعين بالأرض رغم الواقع الأليم

وقال سفيان مصلح: إن الإغلاق أثّر بشكل واضح على الموسم الحالي وضرب الأسعار، لكن المزارع لا يستطيع هجر الأرض مهما كانت الظروف، فهو مديون من سنين ومع هذا مستمر في الزراعة.

وقال شعبان وعزام اسعيد وهما يتابعان طقوس الدِّلالة اليومية المتعارف عليها في سوق الخضار المركزي والمعروف بـ"الحسبة" إن الإغلاقات أهلكتهم، فالتخوف كبير لدى التجار من عدم تسويق البضاعة.

ولخص موسى عريقات المشهد بالقول "إن ظلت (بقيت) الأمور هيك (هكذا) راح يخرب بيتنا، ما في تجار.. ما في أسعار".

وكان رئيس الوزراء محمد اشتية قال، أثناء زيارته المدينة الأسبوع الماضي، إن أريحا والأغوار على رأس اهتمامات الحكومة، كونها مستهدفة إسرائيلياً، ومطوّقة بأكثر من 35 مستوطنة، وإن الحكومة بدأت تنفيذ ما تعهدت به في اجتماعها في قرية الفصايل لدعم الأغوار ضمن رزمة بنود، بينها دعم الزراعة وتمكين الإنسان والاسترداد الضريبي والبنية التحتية.

وأمام وعود الحكومة وصرخات المزارعين في أريحا والأغوار، يظل الواقع الأليم يسيطر على المشهد، بانتظار انفراجة ملموسة تعيد الأمل للمزارعين والتجار.