شعفاط وعناتا.. "عصيان" على الاحتلال
تاريخ النشر : 2022-10-12 16:05

صوت الحرية - وفا - يامن نوباني

بعد خمسة أيام من حصار مخيم شعفاط وعناتا والعقاب الجماعي لأكثر من 130 ألفا من أبناء شعبنا فيهما، أعلنا "العصيان المدني" الشامل في وجه الاحتلال.

عصيان استهل بتوزيع الخبز "مجاناً" على الأهالي، صباح اليوم، كوقود لنار "العصيان" في المخيم والبلدة المجاورة، في تكاتف اجتماعي ووطني وملحمي يسطره الأهالي الذين رفضوا نداءات مكبرات الصوت التي أطلقها جنود الاحتلال صباحا بالإعلان عن أن الحاجز العسكري "مفتوح" ويسمح للأهالي بالمرور، في خطوة اعتبرها الأهالي التفافا خبيثا على العصيان.

لم تهدأ المواجهة في مخيم شعفاط وعناتا ومحيطهما، كرأس خميس والعيسوية والطور وسلوان، حيث ينتفض الأهالي ضد ممارسات الاحتلال واقتحاماته واعتقالاته وحواجزه منذ عدة أيام، مسطرين ملحمة في التحدي والإرادة.

منذ ساعات مساء أمس وحتى ساعات صباح اليوم انتشر مئات الشبان في أزقة مخيم شعفاط وشوارعه لتأمين سير "العصيان" في كافة مناحيه، حيث أغلقت المدارس وتعطلت كافة المؤسسات والأسواق، والمحال التجارية لم تفتح أبوابها، العمال لم يذهبوا إلى أعمالهم، المركبات متوقفة ولا تتحرك إلا في الحالات الطارئة، المتاريس في الشوارع، ومظاهر الانتفاضة تتجلى في كامل المخيم.

اعلان العصيان في شعفاط وعناتا رافقه حراك اجتماعي قادته القوى السياسية والوطنية فيهما، مدعوماً بالتفاف أهالي القدس عامة والمناطق المجاورة خاصة، والذين أعلنوا اليوم "اضراباً" شاملاً لكل مناحي الحياة.

كما ساندت العديد من المدن والمخيمات والبلدات والقرى بمؤسساتها وجامعاتها ومدارسها، مخيم شعفاط وعناتا في عصيانهما، بإعلان الإضراب الشامل ومنع الحركة والدعوات للتوجه لنقاط التماس والاشتباك مع الاحتلال.

مدينة نابلس وبلدات العيزرية وأبو ديس والرام وكفر عقب وحزما والزعيّم ومخيمات الفوار وقلنديا والدهيشة، وغيرها، تصدرت مناصرة شعفاط وعناتا، فيما اعلنت جامعات بيرزيت والقدس -أبو ديس- والخليل وبيت لحم والقدس المفتوحة والبوليتكنك، عن وقفات واضراب شامل. 

على هذا النحو، يُسجل مخيم شعفاط، اليوم بعصيانه، رسالة سياسية قوية لسلطات الاحتلال التي كثفت في الأشهر الأخيرة هجمتها "السيادية المزيفة" على مدينة القدس، وآخرها محاولاته فرض منهاج الاحتلال على المدارس العربية لأسرلتها.

شاهد عيان من المخيم أفاد، بأن الشبان لم يناموا في ضواحي القدس ليلة أمس، وقام بعضهم بتوزيع الخبز على الأسر المحتاجة، والتنسيق مع أصحاب المحلات التجارية والعمال لتأكيد سير العصيان.

وقال: القدس اليوم متوحدة مع مخيم شعفاط وعناتا، والكل يعمل يدا بيد كأسرة واحدة لضمان عصيان شامل بالتزام كامل من الأهالي الذين عانوا طيلة الأيام الخمسة الفائتة مرارة الحصار والاغلاق والاصابات بالرصاص والغاز والمياه العادمة، وغيرها من اجراءات الاحتلال الهادفة للنيل من اهالي مخيم شعفاط وعناتا.

وبحسب احصاءات من المخيم، فإن 30 ألف مواطن لم يذهبوا لأعمالهم اليوم، وأكثر من 4 آلاف طالب لم يتوجهوا إلى مدارسهم.

عصيان مخيم شعفاط وعناتا أعاد الذاكرة الى عصيان بيت ساحور قبل 33 عاماً، ابان الانتفاضة الأولى. كانت بيت ساحور تُبدع في "العصيان المدني" رفضاً لحصار الاحتلال البلدة وإجبار أهلها على دفع الضرائب.

ففي بيت ساحور، هزم العصيان المدني قوة الاحتلال التي لم تترك وسيلة عدائية إلا واستخدمتها لكسره، فأدار الأهالي حياتهم بلجان شعبية، وأمّنوا أيام العصيان الطويلة بالصبر والمقاومة كتجربة ثورية ناجعة في ردع الاحتلال ومؤسساته العسكرية والأمنية وقوته على الأرض.

في ذلك الوقت لاحقت حكومة الاحتلال (18 بقرة) من بيت لبيت وأصدرت أمرا عسكريا بالاستيلاء عليها، وشاركت مروحيات أباتشي في البحث عنها، وفرضت حصارا استمر عدة أشهر (16-7 إلى 21-9 1988) من أجل القضاء على تعاونية الأبقار التي ساندتها زراعة الحواكير والبساتين، وعمل منظمات اللجان الشعبية والزراعية والصحية والتعليمية، وعدم انتشارها في تجمعات فلسطينية أخرى كانت تسعى لتحقيق جزء من الاكتفاء الذاتي.

في تلك المرحلة النضالية الباهرة من تضحيات بيت ساحور والتي أصبحت أنموذجاً مقاوماً، سلم أكثر من 1300 مواطن من بيت ساحور بطاقات هوياتهم للاحتلال في تصعيد لعصيانهم المدني، الذي قوبل بحصار مشدد على المدينة لعدة أشهر، تخلله فرض نظام منع التجول والاعتقالات والمداهمات اليومية، (كان العصيان في مرحلتين تموز 1988، ومن 21 أيلول 1989 حتى بدايات تشرين الثاني 1989)، استولى أفراد الضريبة وجنود الاحتلال على آلات المصانع وبضائع المحال التجارية وأثاث المنازل والادوات الكهربائية والمركبات وقطعت الكهرباء والماء وخطوط الهاتف، دون أن تثني هذه الممارسات الهمجية أهالي بيت ساحور عن ثورتهم التي انتشرت أخبارها في كل العالم، ما دفع وزير جيش الاحتلال آنذاك "اسحاق رابين" لاقتحام البلدة وتهديد أهلها.