حكومة تأبيد الاستعمار
تاريخ النشر : 2023-01-07 13:26

حرب الإرادات بين الحق والباطل تتواصل، وتحتدم أكثر فأكثر كل يوم مع تخلي حكومات إسرائيل المتعاقبة عن خيار السلام وحل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967، وإغلاق كل نوافذ المفاوضات من الربع الأول في العام 2014، أي قبل ثمانية أعوام خلت، فضلا عن أن المفاوضات التي كانت جارية قبل ذلك التاريخ، كانت شكلية انتهجت فيها القيادات الإسرائيلية سياسة التسويف والمماطلة، وفي ذات الوقت كانت كل الحكومات حتى قبل تسلم نتنياهو أول حكومة له في العام 1996 تعمل على تغيير الواقع القائم، وتكريس واقع الاستيطان الإجرامي، فضلا عن ارتكاب جرائم حرب متعددة من اجتياحات وحروب واعتقالات واغتيالات ومصادرة وتهويد أراضٍ وسحب الهويات من المقدسيين وهدم البيوت والورش والمدارس والمستشفيات.. إلخ.
ورغم أن القيادة الفلسطينية بقيت تمد يد السلام، وتلتزم بقرارات الشرعية الدولية، كانت القيادات الإسرائيلية تواصل حربها الممنهجة والمدروسة لتقويض وتصفية الحقوق الوطنية الفلسطينية خطوة خطوة، ولم تتوقف لحظة في خيار هدم معبد السلام الممكن والمقبول. وترفض الإصغاء لصوت العقل والمنطق، بل العكس صحيح، كانت كلما تقدم الفلسطينيون والعرب خطوة إيجابية نحو السلام، كانت حكومات الإرهاب المنظم الإسرائيلية تندفع أكثر فأكثر نحو اغتصاب المزيد من الحقوق الوطنية، حتى استمرأت سياسة البلطجة والتغول في الاستيطان الاستعماري. 
ومن يتابع الخط البياني للاستعمار الاستيطاني في فلسطين سيلاحظ المؤشر الصاعد كالصاروخ للجرائم الإسرائيلية متعددة الأوجه ضد أبناء الشعب الفلسطيني، وخاصة في ملف التهويد والمصادرة للأراضي وإعلان العطاءات المتعاقبة، وتوسيع المستعمرات، وإنشاء البؤر الاستيطانية الجديدة حتى قارب عددها بين مستعمرات قائمة وبؤر مستحدثة نحو 450 جريمة حرب في هذا الحقل فقط، وتضاعف عدد قطعان المستعمرين حتى قارب الـ700 ألف مستعمر في الضفة الفلسطينية بما فيها القدس العاصمة الأبدية لفلسطين. 
والآن مع صعود الفاشيين الجدد ستأخذ عملية الاستيطان الاستعماري منحى أكثر دراماتيكية. لا سيما أن نتنياهو، رئيس الحكومة السادسة سلم مقاليد التصرف في "تشريع" المستعمرات والبؤر الاستيطانية و"مصادرة وتهويد" الأراضي وتوسيع نطاق عمليات التطهير العرقي في القدس وعموم الضفة لغلاة الفاشية سموتريتش وبن غفير، والذين أعلنوا صراحة ودون مواربة، وبالاتفاق مع زعيم الليكود، أنهم سيعملون على السيطرة الكاملة على المنطقة المسماة "C"، لأنهم لا يعترفون بقرارات الشرعية الدولية، ولا يؤمنون من حيث المبدأ بخيار السلام، ويرفضون مجرد الاعتراف بالشعب الفلسطيني وقيادته، رغم توقيع حكومة رابين وبيريس على اتفاقية أوسلو واعترفت بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني، غير أن هذا الاعتراف ذهب مع الريح، ولا أثر له على الأرض.
ومن النماذج الصهيونية الفاشية المتغولة، والعاكسة لسياسة وبرنامج الحكومة الفاشية، تصريح عضو الكنيست، زفيكا فوغل، شريك إيتمار بن غفير في حزب "القوة اليهودية" في أول يوم من العام 2023، الذي جاء فيه، "أن هذا (الاحتلال) هو احتلال أبدي دائم. كما أن فرض السيادة الإسرائيلية على أكبر جزء من الأرض يجب أن يتم بسرعة." وكان صرح في 12 كانون الأول/ ديسمبر الماضي مهددا ومتوعدا الشعب الفلسطيني بعظائم الأمور، "إذا صرخت امرأة يهودية يجب أن نجعل ألف امرأة فلسطينية تصرخ." نقلا عن صحيفة هآرتس" بذات التاريخ. 
ولم يعد هذا سرا، أو سياسة مخفية أو مواربة، إنما يتم إعلانها على السطح، ودون أن يرف لأي من الفاشيين الجدد ورئيس حكومتهم الأكثر فاشية وفسادا في إسرائيل جفن ودون انتهاج سياسة المناورة واللف والدوران، وهو ما يعكس روح البلطجة والتشبيح والاستعلاء العنصري الإجرامي، لأنهم جميعا يعلمون علم اليقين، أن الولايات المتحدة تحميهم، وتتستر على جرائمهم، وتدافع عنهم في المنابر الأممية المختلفة. 
وهذا المناخ فتح باب المزاد بين النواب الفاشيين للمزاودة على بعضهم البعض، فهذا النائب الليكودي شلومو كرعي بادر لطرح مشروع قانون يصف السلطة الوطنية بـ"الكيان المعادي" بموجب قانون العقوبات، وهذا يعني انتفاء أي شريك إسرائيلي يمكن الحديث معه عن بصيص أمل لبناء السلام في خربة مهجورة، وليس بين الشعب الفلسطيني وقيادة منظمة التحرير وبين الدولة الاستعمارية الإسرائيلية، وبالتالي أي رهان من قبل أي جهة فلسطينية على وجود نافذة ضيقة للسلام، هو وهم، ومزيد من الوهم، والذرائعية القاتلة والمميتة. 
ولم يقتصر مشروع القانون على ما تقدم أعلاه، إنما أرفقه ببند آخر، وهو "تعديل قانون التعليم العالي بهدف منع رفع العلم الفلسطيني في الجامعات والكليات في أنحاء إسرائيل." وينص المشروع "على فرض عقوبات على الطالب الجامعي بالطرد من الجامعة، أو الجامعة الإسرائيلية التي تسمح برفع العلم الفلسطيني في الحرم الجامعي." وفق ما ذكرت صحيفة "يسرائيل هيوم" يوم الخميس الموافق الأول من كانون الأول/ ديسمبر 2022. وهكذا تكون حلقات الإغلاق الكلي لبوابات التسوية ونوافذها الإسرائيلية أغلقت. لا ليس هذا فحسب، إنما تم فتح الأبواب المواربة لتوسيع دائرة الإرهاب على الشعب الفلسطيني ورموزه وتراثه ومصالحه الوطنية الكاملة. وهناك العديد من مشاريع القوانين التي تدافع الفاشيون الجدد لوضعها على جدول أعمال لجنة التشريع الحكومية لتمريرها للكنيست. 
هذا الواقع الجديد بالتأكيد لا يحتاج للصراخ والزعيق، ولكنه يحتاج أول ما يحتاج إلى وضع إستراتيجية وطنية جديدة تتناسب للرد على جرائم دولة الفصل العنصري الإسرائيلية، دون المزيد من التفاصيل. 
[email protected]