الحواجز .. وسيلة "إخضاع" للفصل العنصري
تاريخ النشر : 2023-04-27 12:51

صوت الحرية - وفا - رامي سمارة

"بعد ما يقارب 5 ساعات نهديكم سلامات، ونحن على الحاجز ما زلنا مستمرين.... وبنزمر. هنا أريحا"، كلمات كتبها أحد المواطنين أسفل صورة له بصحبة أسرته وهم محتجزون داخل مركبتهم، ليشرح معاناتهم في طريق عودتهم من أريحا إلى منزله في رام الله.

بعد قضاء إجازة ثاني أيام عيد الفطر في أحد منتجعات مشتى فلسطين، اصطدمت العائلة بأحد حواجز الاحتلال التي لم تُرفع عن مخارج مدينة أريحا الرئيسة والفرعية منذ ستة أيام، لتضرب حصاراً على المغادرين وتتسبب بازدحامات مرورية وساعات انتظار تكاد لا تنتهي.

وفي أغلب الأحيان، لا يكون الإغلاق والتأخير عقاباً كافياً للمواطنين المتكدسين كُرهاً عند الحواجز، فيقوم الجنود بإطلاق قنابل الغاز السام المسيل للدموع صوبهم بداعي إطلاقهم أبواق مركباتهم احتجاجاً، ما يوقع إصابات بالاختناق لا يُستثنى منها الأطفال.

وعجت صفحات الأخبار على مواقع التواصل الاجتماعي برسائل مناشدة من العالقين، ورد في إحداها: "ننتظر الخروج من أريحا منذ ثلاث ساعات، ومعنا نساء وأطفال وكبار في السن، الكل ناله التعب. لم يبق معنا لا ماء ولا طعام، والأطفال ليسوا على أفضل ما يرام".

وتناقلت صفحات صورة تعود لتاريخ الثالث والعشرين من الشهر الجاري، ويظهر فيها شبان عالقون يؤدون صلاة الفجر جماعة على أحد حواجز الاحتلال المغلقة عند مدخل مدينة أريحا الجنوبي.

ولا يمكن إغفال درجات الحرارة المرتفعة في أريحا، مقارنة بغيرها من المدن الفلسطينية، الأمر الذي يكبد العالقين معاناة أكبر، لا سيما الأطفال والنساء وكبار السن.

جهاد أبو العسل، محافظ أريحا والأغوار، قال إنه ولليوم السادس على التوالي، ومعيقات الاحتلال قائمة على الأرض في محيط أريحا.

وأشار إلى أن الاحتلال عندما يقوم بإغلاق أريحا، فهو يعلم القيمة التي تكتسبها هذه المدينة التي تمثل المنفذ البري والوحيد للأراضي الفلسطينية المحتلة.

وأضاف أن أريحا كانت تستعد لاستقبال أكثر من نصف مليون نسمة في فترة الأعياد، لكن الإحصائيات المتوفرة تشير إلى أن عدد الزوار والمتنزهين لم يتجاوز 200 ألف في أفضل الأحوال.

ولم يستبعد أبو العسل أن تكون الأموال التي يضخها مواطنو مناطق الـ48 ممن يفضلون التوجه إلى أريحا؛ من المسببات التي قادت الاحتلال إلى فرض الحصار على مدينة أريحا خلال الأيام الماضية.

وقال: "تقديرنا أن الأمر اقتصادي أكثر منه سياسي أو "أمني"، وضرب للاقتصاد الفلسطيني والريحاوي تحديدا، الاحتلال يحارب الشعب في كل شيء، ولا يروقه أن يقوم زوار أريحا خاصة من فلسطينيي الـ48 بالتسوق وزيارة المرافق السياحية هنا".

ونوه محافظ أريحا إلى أنه لم يصدر عن سلطات الاحتلال أي إشارة إلى السقف الزمني لإنهاء الحصار المضروب على المدينة، داعياً المواطنين إلى عدم مقاطعة أريحا والاستمرار في التوجه إليها تحدياً لقرار الاحتلال.

إغلاق الاحتلال لحواجزه المنتشرة على أراضي الضفة الغربية، أمسى في الأيام الأخيرة عقاباً جماعياً يؤرق الفلسطيني أينما تواجد.

وحسب تقرير صدر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في 2020، فإن سلطات الاحتلال تنصب 593 حاجزًا، 23 منها مخصصة للعبور إلى "إسرائيل"، وتسعة فقط إلى مدن وبلدات فلسطينية في مناطق الـ48، والبقية مقامة على أراضي الضفة الغربية تقطع أوصالها وتفصل قراها عن مدنها وشمالها عن جنوبها.

وجولة سريعة في أي من وسائل الإعلام المحلية، قد نجزم منها أنه لم يمض يوم ومنذ عقود دون أخبار إغلاق الحواجز التي تقام على أراضٍ فلسطينية، بما يرافق ذلك من تدقيق في هويات المضطرين للعبور منها وتأخيرهم أو إعادتهم من حيث أتَوا، إن لم يصل الأمر إلى حد التنكيل بهم والاعتداء عليهم.

وبالبحث عن الأسباب على لسان مسؤوليهم في الإعلام العبري، نجدهم تارة يتذرعون بأن إغلاق الحواجز جاء كإجراء يعتبرونه "روتينيا" لحفظ "أمن" اليهود في أعيادهم، وتارة يتحججون بأن ذلك يقع ضمن قيود عسكرية تلي تنفيذ "عمليات"، في حين يُهمَل في السواد الأعظم ذكر المبرر أو الإتيان على ذكر الحدث حتى وكأنه لم يكن.

ويشير الباحث في المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية وليد حباس، إلى أنه منذ بداية الاحتلال العسكري الإسرائيلي للضفة الغربية عام 1967، انتشرت الحواجز في العديد من المناطق الفلسطينية، ولكنها كانت حواجز متحركة، أو باللغة الشعبية: "حواجز طيارة".

أما مفهوم الحاجز الثابت، الذي يتحول إلى "نقطة عبور" بين عالمين، فقد ظهر لأول مرة عام 1993، فبعد عام 1991، باتت إسرائيل تصنف الفلسطينيين كـ"مجتمع خطير" أو "غير مرغوب في الاختلاط به"، وأنهت سياسة المرور "المرن" التي اتبعتها مع المتنقلين بين الضفة الغربية وأراضي الـ1948، والتي استمرت بين عامي 1967 و1991، وفرضت إغلاقاً شاملاً على الضفة (بدءا من عام 1991)، لكنها بدأت بتنفيذه بشكل ملموس عام 1993.

وحسب حباس، فقد تطورت البنية التحتية والبيروقراطية للاحتلال الإسرائيلي بعد اندلاع انتفاضة الأقصى، لتصبح قائمة بشكل أساس على منظومتين معقدتين تهدفان إلى إحكام السيطرة على الفلسطينيين وهما: تصاريح المرور والحواجز.

ويصنف الباحث حواجز الاحتلال حسب طبيعة المناطق التي تفصل بينها، لتصبح على النحو التالي: حدودية تفصل بين الضفة الغربية والأردن، وحواجز الدخول إلى إسرائيل، وأخرى للدخول إلى القدس، وداخلية بين المدن والبلدات الفلسطينية، وحواجز الخليل.

ويرى الباحث حباس، أن الحواجز تطورت من أدوات ارتُجلت بهدف البدء بتنفيذ نظام الإغلاق، إلى بنية تحتية متكاملة تتقاطع فيها أدوات الرقابة والضبط (الكاميرات، والتشخيصات البيومترية)، مع بيروقراطيات الحكم الاستعماري الحديث (نظام تصاريح، وتطبيقات هواتف كتطبيق المنسق، وأوامر عسكرية، ومنظومة قانونية استعمارية، وأنظمة طوارئ محدثة)، مع مهارات إدارة السكان (العديد من ضباط الجيش العاملين في الضفة الغربية أنهَوا دورات متقدمة، أو درجات ماجستير، في إدارة السكان).

ويضيف: "إسرائيل "طورت البنية التحتية لنظام الفصل الذي تفرضه على سكان الضفة الغربية، لدرجة أنها تتحول إلى الدولة الأولى في العالم التي "تتقن" السيطرة على السكان وضبطهم من خلال شبكة حواجز ضخمة ومتنوعة".

ويشير إلى أنه يُنظر إلى دور الحواجز على عدة مستويات، أهمها إدارة الفلسطينيين باعتبارهم يخضعون إلى سطوة المنظومة الاستعمارية الإسرائيلية، التي تحكمهم كرعايا غير مواطنين أو كرعايا غير تابعين بشكل مباشر للحكومة الإسرائيلية، وإدارة هؤلاء تتطلب العديد من أدوات الضبط والإخضاع.

وأما بالنسبة إلى ذهنية المستعمِر الإسرائيلي، فيبرز الحاجز ليس كنقطة فصل، بل كمنظومة سيطرة استعمارية، تلعب دورا أساسا ليس في عزل الفلسطيني أو إيقاف حركته فقط، وإنما في إخضاعه وضبط مستوى معيشته الاقتصادي.

كما يذكر الباحث أنه في قاموس إسرائيل العسكري، تُستخدم ثلاثة مصطلحات تتعلق بالإغلاقات، الأول الشامل الذي يعني إغلاق كل المنافذ بين الضفة وأراضي الـ48، والثاني يتعلق بعزل المدن والبلدات الفلسطينية داخل الضفة ومنع الحركة بينها أو عزل مدينة أو بلدة أو قرية ومنع الدخول إليها والخروج منها حتى إشعار آخر، والثالث منع التجوال داخل مدينة أو بلدة أو قرية بحيث يتوجب على كل السكان التزام بيوتهم.

وفي الحالات الثلاث، كما يشير حباس، فإن الإجراء المتخذ لا يتعلق بالمكان أو الجغرافيا وحسب، وإنما يتعلق بمفهوم إدارة السكان، بحيث تستخدم إسرائيل حركة السكان كإحدى أهم الأدوات المفروضة إداريا في تاريخ المستعمرات، بهدف إدارة حياتهم والتحكم الحثيث والمباشر في نمط معيشتهم، ونفسيتهم العامة، ومصادر دخلهم، وعلاقاتهم الاجتماعية.

وأصدر معهد الأبحاث التطبيقية اريج في 2021 دراسة بعنوان "تقييم الآثار الاقتصادية والبيئية للقيود التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي على حـركة وتنقل المـواطنين الفـلسطينيين بين مدن وقرى الضفة الغربية"، اظهرت أن الفلسطينيين يخسرون حوالي 60 مليون ساعة عمل سنويا بسبب حواجز الاحتلال، بخسائر تقدر بحوالي 270 مليون دولار سنويا، إضافة الى استهلاك وقود إضافي بحوالي 80 مليون لتر في السنة تقدر تكاليفها بـ135 مليون دولار أميركي، يؤدي استهلاكها إلى زيادة في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بحوالي 196 الف طن سنويا.

وشملت هذه الدراسة رصد وتوثيق حركة تنقل ومرور المواطنين الفلسطينيين على 15 حاجزا عسكريا إسرائيليا رئيسيا بين مدن الضفة الغربية، إضافة الى 11 حاجزا (معبرا) تتحكم بمرور وحركة الفلسطينيين الى القدس الشرقية وأراضي عام 1948.