بحث

أخبار اليوم

هل التمويل الإسلامي حل لمشاكل الأزمات المالية العالمية المتكررة؟

  • 12:45
  • 2014-05-04

منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية وما نتج عنها من ازدهار في الصناعات، وظهور الشركات الكبيرة، واشتداد درجة المنافسة فيما بينها، وازدياد حاجة هذه الشركات إلى التمويل من أجل تشغيل وإدارة مشاريعها، ازدادت الحاجة لظهور أدوات مالية جديدة تلبي هذا الازدياد في الطلب على التمويل، فهرعت الشركات إلى إصدار الأوراق المالية من الأسهم والسندات لتوفير احتياجاتها من الأموال، وظهرت فيما بعد أدوات عديدة للدَّين لم تكن معروفة مثل سوق المشتقات المالية، وعقود الخيارات والمستقبليات، فكان لا بد من هذا الكم الهائل من الأدوات المالية وجود أسواق متخصصة لبيع وشراء ما يرغب به المستثمرون.

لكن المتتبع لحالة الأسواق المالية عبر القرنين الماضي والحالي يجد أن هذه الأسواق ومعها الاقتصاد العالمي قد مرَّ بأكثر من أزمة خانقة أودت بمستويات النمو والازدهار، وعصفت باقتصاديات معظم دول العالم، ورفعت مستويات البطالة والفقر في العالم، نتيجة اعتمادها بشكل كبير على أدوات الدَّين من سندات وقروض مباشرة بشتى أنواعها... الخ، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر؛ الكساد الكبير الذي حصل في العالم نتيجة الأزمة المالية التي حصلت في الولايات المتحدة الأميركية نتيجة انهيار سوق الأسهم في 29 تشرين الأول عام 1929،  واستمر تأثيرها لغاية الثلاثينات وبداية الأربعينات، وكذلك نتيجة كثافة الإنتاج لتغطية طلبات الدول خلال الحرب العالمية الأولى، وتكدس البضائع لديها نتيجة عودة هذه البلدان للتصنيع مرة أخرى، وأيضا نُذَكِّرُ بانهيار دول شرق آسيا أو ما كان يسمى بالنمور الاقتصادية الأسيوية عام( 1997)، وانهيار الأسواق المالية، وانخفاض أسعار عملات تلك البلدان، ولا ننسى الأزمة المالية التي عصفت مؤخرا بالولايات المتحدة الأميركية مرة أخرى عام 2007، وهي ما يسمى بأزمة العقارات، وانعكست سلبا على كثير من بلدان العالم، وأدت إلى انهيار شركات كبرى عالمية مثل شركة التأمين الأميركية (AIG)، وكذلك انهيار كثير من البنوك في الولايات المتحدة الأميركية مثل مصرف \\\"ليمان برذرز\\\"، ومصرف \\\"ميريل لينش\\\"، ومصرف \\\"ميوتشوال\\\"، وفي أماكن أخرى في العالم نتيجة التوسع الكبير والمفرط في الإقراض لأجل الاستثمار في العقارات، وما نتج عنه من عجز المقترضين عن سداد ديونهم بالإضافة إلى فوائدها الأمر الذي أصبحت به هذه الديون أكبر من قيمة العقارات الحقيقية بمرات عديدة.

كل ما ورد من أمثلة كان دافعا لكثير من الاقتصاديين العالميين والمفكرين والمحللين للتفكير في أسباب هذه المشكلة  وكيفية حلولها من أجل تجنب تكرارها مرات أخرى، وقد جربت كثير من البلدان الطرق التقليدية في معالجة المشاكل والأزمات المالية إلا أن هذه المحاولات كانت تبؤ بالفشل في كل مرة، وهذا ما دفعني إلى كتابة هذا المقال، والاستشهاد ببعض الأمثلة التي تدل على اقتناع كثير من الجهات في أميركا وأوروبا من ذوي أصحاب القرار، والجامعات العريقة، وإداراتٍ لكبرى البنوك العالمية، وحتى الفاتيكان على إمكانية أن يكون التمويل الإسلامي هو الحل لمشاكل الغرب الاقتصادية، ولن أتطرق هنا إلى أيّة آية قرآنية كريمة أو حديث نبوي شريف؛ لأنني شخصيا أومن إيمانا كاملا بأن الشريعة الإسلامية والتعامل المالي التي تحكمه هذه الشريعة هو الحل الأمثل بلا شك لمشاكلنا الحياتية كلها بما فيها المشاكل الاقتصادية، ولكي لا أُتهم بالتحيز أو التعصب للدين في هذا الموضوع؛ فإنني تعمدت في هذا المقام بأن استشهد بشهادات لأشخاص يعدُّهم العالم أصحاب قرار أو ذوي خبرة وتجربة مالية من العالم الغربي وتؤكد اعتقادهم وإيمانهم بأن التمويل الإسلامي ربما يكون هو الحل لمشاكلهم الاقتصادية على الأقل، وهي كالآتي:

أولا: قيام جامعة دوفين (DAUPHINE) في باريس باستحداث قسمٍ لدراسات الماجستير في نظام التمويل الإسلامي حيث يتضمن هذا البرنامج تدريس فقه المعاملات إيمانا منها بأهمية هذا الموضوع، وعدم إمكانية استمرار تجاهله، حيث اعتمدت هذه الشهادة من ثلاثة مجالس علمية في فرنسا للحصول على الترخيص، وقد قامت أيضا بورصة باريس باحتضان هذا البرنامج، وعملت من أجله الندوات التثقيفية اللازمة للتعريف بأهميته.(1)

ثانيا: قرار الحكومة البريطانية البدء بإصدار سندات إسلامية، وهي أول سندات إسلامية تصدر خارج العالم الإسلامي في العالم حيث قال رئيس الوزراء البريطاني (ديفيد كاميرون) إن حكومته تتطلع إلى إصدار أول صكوك سيادية إسلامية خارج العالم الإسلامي بقيمة 200 مليون جنية إسترليني، وإن حكومته استبقت الموضوع بتخفيض قيمة الضريبة على الشركات ومنع الازدواج الضريبي، وتعديل القوانين لتسهيل الصيرفة والتمويل المنسجمين مع مبادئ الشريعة الإسلامية، كل هذه التصريحات كانت في المنتدى الإسلامي التاسع الذي عقد في لندن حيث إنَّ هذه هي المرة الأولى التي يعقد فيها خارج العالم الإسلامي.(2)

ثالثا: قرار كثير من البنوك البريطانية استحداث خدمات مصرفية إسلامية في بريطانيا ليس من قبل المسلمين المقيمين هناك أيضا بل من نسبة كبيرة من البريطانيين غير المسلمين الذين يؤمنون بعدالة نظام التمويل الإسلامي، ما حدا بالحكومة البريطانية على الموافقة على تراخيص المؤسسات المالية الإسلامية، وقامت أيضا  بإعطاء التراخيص المطلوبة للبنوك البريطانية لاستحداث خدمات مالية على الطريقة الإسلامية.(3)

رابعا: في تقرير آخر لمحطة الجزيرة يظهر اهتماما وطلبا متزايدا على الخدمات المالية في البنوك الأميركية، ولكن بالطريقة الإسلامية بسبب أن تمويل أصحاب العقارات بالطريقة الإسلامية يحمي المدينين من مصادرة عقاراتهم في حال عجزهم عن سداد الدفعات الشهرية، حيث حققت المؤسسات المالية التي تتعامل بنظام التمويل الإسلامي نموا قدره 15% على مستوى العالم، وبلغت قيمة هذه المؤسسات أكثر من 700 مليار دولار.(4)

خامسا: ذكرت الصحيفة الرسمية للفاتيكان (اوسيرفاتور رومانو) في مقال لها تحث فيه المصارف الأوروبية  على الاستفادة من صفات وخصائص النظام المالي الإسلامي، حيث دعا بابا الفاتيكان( بنديكت السادس عشر) البنوك الغربية إلى تطبيق المبادئ المالية الإسلامية، والنظر بتمعن في أسس المالية الإسلامية من أجل العمل على استعادة عملائها في خضم الأزمة المالية العالمية. (5)

سادسا: في تقرير للتلفزيون الألماني\\\" 3Sat\\\" أظهر فيه دراسة للخبيرة الاقتصادية (لوريتا نابليوني) قالت وهي تقف مقابل بنك بريطاني مشرف على الإفلاس: إنه كان بالإمكان تجنب هذا الإفلاس لو أن البنك التزم بمعايير أخلاقية وبمبادئ الشريعة الإسلامية في أعمالهم المالية، حيث قامت بمقارنة النظام المالي الغربي بالنظام المالي الإسلامي، وتوصلت إلى أن النظام المالي الإسلامي خسائره محدودة جدا؛ لأن الشريعة تحرم الربا وتحرم المساهمة في البنوك التقليدية وشركات التأمين؛ وتسمح فقط بالاستثمار المباشر الذي يقوم على تحمل المخاطر من جميع الأطراف وليس من المدين فقط على عكس ما هو موجود في الاقتصاد الغربي، وإن جميع المعاملات في النظام الإسلامي تفحص وتدقق من قبل لجنة شرعية مختصة حيث يمكن القول إن هناك رقابة أخلاقية على المنتجات.  (6)

سابعا: أيضا اليابانيون يتجهون إلى تطبيق المصرفية الإسلامية بعد فشل المعاملات الربوية كان هذا مضمون لقاء مع(نابيكا هوندراي) رئيس شركة تراست اليابانية أجرته معه صحيفة الرياض السعودية في تاريخ(8/2/2009 العدد 14839)، حيث قال: إن البرلمان الحكومي في طوكيو أقرّ قانونا يمنح البنوك اليابانية تراخيص لافتتاح فروع للتمويل الإسلامي بعد انهيار الأنظمة المالية القائمة على تعاملات ربوية، إذ فشلت البنوك اليابانية في محاولة علاج الأزمات المالية بالطرق التقليدية المعروفة للجميع.(7)    

ثامنا: أما المحلل الاقتصادي \\\"بوفيس فانسن\\\" رئيس تحرير مجلة (تشالنجر) كبرى الصحف الاقتصادية في أوروبا فقد دعا إلى تطبيق الشريعة الإسلامية فيما يتعلق في المجال الاقتصادي كحل أوحد للتخلص من براثن النظام الرأسمالي الذي يقف وراء الكارثة الاقتصادية التي تخيم على العالم .(8)

تاسعا: من ناحية أخرى قال مدير صندوق \\\"بيرش اسيتس\\\" لإدارة الأصول ومؤلف كتاب \\\"الانهيار الأخير\\\" مطلع العام 2007، إن التمويل الإسلامي يمكنه إعادة الانضباط إلى النظام المالي في أعقاب الأزمة المالية الأخيرة، وإن كثيرا من المستثمرين ينجذبون إلى الاستثمارات المطابقة للشريعة الإسلامية، وإنه من الناحية المصرفية لا يمكن للبنوك الإسلامية أن تقرض سوى ما لديها من ودائع، وهو ما يتفادى تخليق الائتمان بكل أثاره السلبية التي شاهدناها في الأزمة الأخيرة نتيجة الإفراط في عملية الإقراض من قبل البنوك التقليدية.(9)

عاشرا: أما الخبير الاقتصادي البلجيكي وأستاذ التسويق \\\" لوران مارلي\\\" فقد أعلن لوكالة الأنباء الكويتية(كونا) أنه في ديسمبر 2010  قام بإطلاق مشروع مكون من شبكة عالمية من محامين مختصين في التمويل الإسلامي لتقديم المشورة في الدول الغربية، وإن المال اليوم في أيدي مستثمري التمويل الإسلامي، وذلك لسببين رئيسين هما: ارتفاع أسعار النفط والقضايا الأخلاقية، وأضاف: إن البنوك الإسلامية لم تتعرض لهزة أزمة الائتمان، لأنها لا تتعاطى بالمنتجات السامة(يقصد الربوية)، وأشار إلى أن التمويل الإسلامي يشهد نموا سريعا في مجال التمويل المصرفي، وأن هناك طلبا كبيرا في بروكسل على المنتجات المتوافقة مع الشريعة الإسلامية.(10)

وفي الختام فقد أصبح جليا للقاصي والداني أن هناك إجماعا من جميع الأطراف سواء من اقتصاديين وأكاديميين  وحكومات  وإدارات جامعات، وحتى من رجال الدين في الغرب على ضرورة تغيير أسلوب تعاملاتهم المالية اليومية التقليدي المبنية على الربا والتوسع المفرط في الإقراض والمغالاة في المخاطر إلى أسلوب جديد يضع القيود على هذه الممارسات التي أدت إلى الانهيارات المتعاقبة في اقتصاديات العالم الأمر الذي أدى إلى زيادة معدلات الفقر في العالم، وارتفاع معدلات البطالة، وانتشار حالة الركود في أسواق العالم أجمع.

*جامعة القدس المفتوحة-فرع طولكرم

[email protected]

 

 

 

المراجع:

1. تقرير الجزيرة عن جامعة دوفين في باريس ماجستير في التمويل الإسلامي تاريخ 17/12/2011

http://www.youtube.com/watch?v=kUeihXjR5mw

2. لندن مركزا عالميا للتمويل الإسلامي، تقرير لمحطة الجزيرة، تاريخ البث 30/10/2013

http://www.youtube.com/watch?v=esq9lFGAoa4

3. التمويل الإسلامي في بريطانيا، تقرير الجزيرة/ الاقتصاد/ تاريخ البث 22/3/2008

http://www.youtube.com/watch?v=9aXlKZaUFC4

4. ازدهار التمويل الإسلامي في أميركيا، 27/2/2009

http://www.youtube.com/watch?v=ruB9R4jgyyw

5. مجلة الاقتصادية الالكترونية العدد 5634 في 15/3/2009

http://www.aleqt.com/2009/03/15/article_204692.html?related

6. تقرير للتلفزيون الألماني(3Sat) عن التمويل الإسلامي 15/4/2014

http://www.youtube.com/watch?v=-GsdxJJ3mo8

7.  لقاء مع \\\"نابيكا هوندراي\\\" رئيس شركة تراست اليابانية صحيفة الرياض السعودية، العدد (14839) في تاريخ (8/2/2009،  http://www.alriyadh.com/408093

8. بحث بعنوان الأزمات المالية العالمية هل الإسلام هوا لحل المحتمل.  المجلة العالمية للاقتصاد المالي، International Journal of Financial Economics (vol.1, vo.3, 2013, p 81)

http://www.academia.edu/5092845/The_Global_financial_Crisis_Is_Islamic_System_a_Potential_Solution

9. التمويل الإسلامي في المجتمع الغربي موقع مفكرة الإسلام 25/2/2012

http://www.islammemo.cc/nahn-we-el-gharb/2012/02/25/144683.html

10.مقابلة مع خبير اقتصادي بلجيكي، صحيفة إيلاف الالكترونية،3/7/2011.

http://www.elaph.com/Web/Economics/2011/7/666523.html

 

فن ومنوعات


حالة الطقس

فلسطين