بحث

أخبار اليوم

الخيار الأردني ... بين الواقعي والسفسطائي

  • 16:28
  • 2016-05-31

 في الآونة الأخيرة عاد بعض المثقفين والنخب السياسية الفلسطينية والأردنية للحديث عن ما يسمى سياسيا ب"الخيار الأردني"، هذا المصطلح الذي يسعى البعض إلى تحميله أكثر مما يحتمل من تفسير وتحليل ليصوره بعض السفسطائيين على انه الحل السحري للصراع الفلسطيني الإسرائيلي،وخصوصا بعد أن أرست إسرائيل واقعا استيطانيا صعبا على الأرض، من خلال الاستيلاء على الأراضي والعقارات في القدس والضفة الغربية، سعيا وراء تهويدها وطمس عروبة فلسطين والمقدسات وتحقيق الحلم اليهودي بإقامة دولة إسرائيل الكبرى على أنقاض الوجود التاريخي للشعب الفلسطيني .

سياسيون أردنيون وفلسطينيون تحدثوا عن الخيار الأردني بطريقة طوباوية سفسطائية حالمة تجاوزت تخوم المرحلة، وشكل الواقع الأردني الفلسطيني خصوصا بعد مؤتمر الرباط عام 1974، وتكريس منظمة التحرير الفلسطينية كممثل أوحد ووحيد للشعب الفلسطيني ثم فك الارتباط في العام 1988، ورغم أن جلالة الملك المغفور له الحسين ابن طلال لم يكن ضميريا مع فكرة فك الارتباط مع الضفة الغربية، ربما لأنه كان يسبقنا جميعا بالفهم السياسي للمستقبل، وأصر على أن تبقى الوصاية الهاشمية على المسجد الأقصى نافذة معتبرا آنذاك أن الضفة الغربية هي قطعة من قلبه كما أكد مستشاروه أن عيناه اغرورقتا دمعا في لحظة فك الارتباط قائلا إنها لحظات صعبة سنكتشف جميعا سؤتها في المستقبل ، لكن معادلات وتحالفات الواقع الرسمي العربي آنذاك فرضت نتيجة فك الارتباط ووحدانية تمثيل منظمة التحرير للشعب الفلسطيني وهو ما كرسته ودعمته الانتفاضة الأولى التي رسخت معاني الهوية الوطنية الفلسطينية .

في الحقيقة يطرح الخيار الأردني في وجهات نظر ثلاثة مختلفة في الأبعاد والمرامي باختلاف من يطرحها ، وجهة النظر الأولى هي التحدث عن تسليم الشؤون السياسية والأمنية والاقتصادية في الضفة الغربية للأردن وبالتالي إنهاء دور منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني ، هذا الطرح الذي تحدث عنه الإسرائيليون واعتقد أنهم يقبلون به ويروجون له على من تحت الطاولة على مضض لدى الأمريكيين والأوربيين، يصطدم بواقع مفاده ان الفلسطينيين والأردنيين لن يقبلوا به ولن يفكروا به أصلا ولن يرقى لمستوى ان يكون مادة نقاش بين الزعماء العرب، الذين يجمعون على أن منظمة التحرير هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.

والأردن في هذا السياق لن يقبل به ولن يفكر فيه لأنه مقتنع بان الحل هو إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة التي تربطها أعلى مستوى من العلاقات الأخوية والسياسية مع الأردن تصل لمستوى التحالف الاستراتيجي في مواجهة كل القضايا السياسية التي تهم الواقع العربي والفلسطيني بالإضافة لان هذا الحل سيحمل الأردن أعباء أمنية واقتصادية وسياسية لا طاقة له بها خصوصا في ظل التطرف الحكومي الاسرائيلي وتكريس الواقع الاستيطاني في الضفة والقدس والذي ينبأ بان اسرائيل لا تفكر بالانسحاب إلى خطوط الرابع من حزيران، لذلك اعتقد ان هذا الطرح اقل بكثير من الاهتمام به سياسيا هنا أو هناك ومن يحاول الترويج له اقل ما يمكن ان يقال فيه هو انه لا يقرأ المشهد والواقع جيدا ولا يعرف بالقانون الدولي وإحكام الاتحادات الكنفدرالية .

وجهة النظر الثانية تتحدث عن الخيار الأردني من باب الوحدة الكنفدرالية مع الأردن وهذا الطرح بغض النظر عن واقعيته ورومانسيته إلا أن سياسيين فلسطينيين وأردنيين تحدثوا فيه مثل السيد فاروق القدومي والسيد عبد السلام المجالي ، هذا الطرح وان كان يدغدغ مشاعر الفلسطينيين والأردنيين التواقين لوحدة العرب إلا انه يصطدم هو الاخر بصخرة قانونية مفادها ان هذا النوع من الاتحادات يقوم بين الدول ذات السيادة وهنا فلسطين ليست دولة ذات سيادة فكيف ستقوم العلاقة الكنفدرالية بين الأردن صاحب السيادة الكاملة وفلسطين التي تعطلت سيادتها بفعل الواقع الاحتلالي البغيض ؟؟.

رغم رومانسية ووردية هذا الطرح إلا انه أيضا غير واقعي والحديث فيه لا يعدو عن كونه حديث عن الأحلام ببعد طوباوي غير قابل للقياس والتطبيق على ارض الواقع قبل قيام دولة فلسطين صاحبة السيادة الكاملة على ترابها وإقليمها. وجهة النظر الثالثة وهي الأخطر والأصعب وهي الحديث عن الخيار الاردني من باب ما يعرف سياسيا بالوطن البديل وهو الحل الذي يسوق له الإسرائيليين ويسعون لتطبيقه بكل ما أعطتهم السياسة من قوة ويتبناه بودي جارد حانات موسكو ووزير الحرب الجديد في حكومة نتنياهو ليبرمان ، ومن يدري ان كانت مضامين اتفاق نتنياهو مع ليبرمان لانضمام حزب إسرائيل بيتنا للحكومة الإسرائيلية هي ان يتبنى نتنياهو طرح ليبرمان في ان يكون الأردن هو الوطن البديل للشعب الفلسطيني لتفكيك القنبلة الديمغرافية الفلسطينية في فلسطين لمواجهة التعداد السكاني الاستيطاني .

جلالة الملك عبدالله الثاني قد تنبه باكرا لهذا المخطط الإسرائيلي الذي يسعى لتصفية القضية الفلسطينية والقضاء على الأردن من خلاله فأعلن رسميا رفضه له واستعد لمواجهته بكل الوسائل ، أيضا الرئيس الفلسطيني الشهيد ياسر عرفات كان من اوائل الذين حذروا من هذا المخطط البائس وحاربه وانتصر عليه من خلال تكريس دور منظمة التحرير والنضال لبناء دولة فلسطين على ارض فلسطين .

من الجلي والواضح ان الفلسطينيين والاردنيين واعين ومتنبهين لهذا المخطط الاحتلالي، ولن تستطيع إسرائيل تطبيقه وتحقيقه، وبالتالي فان الحديث الإسرائيلي عن الخيار الأردني من باب الوطن البديل هو سعيا وراء السراب، وغير قابل للتطبيق على ارض الواقع، ولن يتجاوز تخوم الأحلام الإسرائيلية بترحيل الفلسطينيين من وطنهم لغايات إقامة إسرائيل الكبرى على أنقاض الوجود التاريخي للشعب الفلسطيني على أرضه وترابه، وهو بهذا الوضع حل لن يرهبنا لان استحالة تحقيقه واضحة كالشمس.

وهنا وبعد أن تبين لنا عيوب وجهات النظر الثلاثة وسوءتها من الناحية السياسية والتطبيقية لماذا لا نفكر جميعا وبدلا من اجترار الهرطقة الفكرية والسفسطائية البائسة المصابة بالعقر التطبيقي لا نطرح الحديث عن العلاقة مع الأردن من باب أخر بعيدا عن الأحلام والأوهام ؟؟، لماذا لا نتحدث عم الخيار الأردني من باب تعميق وتعزيز العلاقات الأخوية الأردنية الفلسطينية بهدف الحرص على فلسطين ومقدساتها ؟؟.

وفي هذا المقام لماذا لا نطرح مثلا فكرة توسيع الوصاية الهاشمية على المسجد الأقصى لتشمل الحرم الإبراهيمي وأحياء وأماكن فلسطينية ومقدسية مستهدفة بالاستيطان والتهويد، فإسرائيل ملتزمة باحترام حقوق الأردن الواردة في اتفاق الوصاية مع الفلسطينيين على الأقصى بموجب اتفاق وادي عربة، وهذه الوصاية الهاشمية شوكة في حلق المشروع الاستيطاني الإسرائيلي.

لماذا لا نفكر في تعزيز العلاقة مع الأردن والاستفادة من الدور السياسي للأردن في حماية ما تبقى من فلسطين ومقدساتها بعيدا عن طرح الأفكار السفسطائية والهرطقات الفارغة ؟؟؟.

لماذا لا نفكر في الخيار الأردني من هذا الباب الذي يحفظ الأردن واستقلاله وهويته ويحفظ فلسطين ومقدساتها وهويتها ويبعدنا عن الخوض في الوهم واستدعاء السراب ليكون حلا سحريا لقضية فلسطين وهمومها؟؟.

لماذا لا يكون تعريف الخيار الأردني بأنه التعاون الفلسطيني الأردني العميق والاستراتيجي لمواجهة المشروع الكولنيالي الاستعماري الاحلالي الإسرائيلي؟؟، ولماذا نصر على الحديث عن الخيار الأردني من الأبواب البائسة المرفوضة فلسطينيا وأردنيا ومقبولة فقط إسرائيليا لأنها طوق النجاة لمشروع التطرف الإسرائيلي؟؟؟ لماذا يصر البعض على الابتعاد عن الواقع والإمعان في الهرطقة والترف الفكري والسفسطائية البغيضة ؟؟؟.

فن ومنوعات


حالة الطقس

فلسطين