بحث

أخبار اليوم

التنسيق الأمني بين المقدس والمدنس

  • 15:08
  • 2016-06-08

رام الله _صوت الحرية .

إن الخوض في غمار هذا الموضوع الخلافي كمن يمشي في حقل ألغام ولا يدري أي خطوة له ستكون نتيجتها بتر ساقه او لسانه ، لكنه موضوع يندرج بقوة حرية التعبير في سياق حق المواطن في إبداء رأيه بالشأن السياسي العام بغض النظر عن القدرة على احتمال نتائج تجاوز تخوم المباح في ظل انعدام حالة العدالة التفسيرية للحق في التعبير ، فكيف تسير في حقل الألغام هذا دون نتائج الانفجار يرتبط بالعناية ألاهية وسعة صدر المقصود أو انشغاله في امور تبعده عن الرد بطريقته الخاصة عليك، وعادة وللأسف ياتي الرد السريع على الفكرة من المتشنجين برايهم دون اعمال عقلهم في تلقي الرسالة والرد عليها. لسبر غور الموضوع لا بد من نفض الغبار عن المفاهيم المستخدمة في العنوان كمدخل انسيابي للمقال من خلال نفكيكها اللغوي ودون الإبحار في أعماق المصطلحات كثيرا حتى لا نطيل على القارئ الكريم. التنسيق الأمني في هذا السياق هو مفهوم مركب يتكون من كلمة تنسيق وتعني لغة ترتيب الأعمال والأنشطة ومصدرها نسق أما كلمة امني مشتقة من الأمان وتعني الطمأنينة والسكينة وبذلك يعني هذا المفهوم المركب لغة ترتيب الإعمال لتكريس الطمأنينة وتاريخيا اول من استخدم هذا المصطلح الملتبس وينستون تشرشل عندما كان يسعى لبناء علاقة تحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية في مواجهة ألمانيا المتفوقة عسكريا واقتصاديا على انجلترا وعين لهذه المهمة السياسي الانجليزي القريب من الامريكان ويليام ستيفنسون عام 1940. اما فلسطينيا فقد برز هذا المصطلح الذي يكتنفه الغموض في اتفاقية اوسلو حيث جاء في البند العاشر من الاتفاقية (من أجل توفير تطبيق هادئ لإعلان المبادئ هذا ولأية اتفاقات لاحقة تتعلق بالفترة الانتقالية، ستشكل فور دخول إعلان المبادئ هذا حيز التنفيذ، لجنة ارتباط مشتركة إسرائيلية وفلسطينية؛ من أجل معالجة القضايا التي تتطلب التنسيق وقضايا أخرى ذات الاهتمام المشترك، والمنازعات) اما مصطلح مقدس الذي ارتبط تجنيا بالتنسيق الأمني فهو الاسم المفعول من قدس وفي اللغة هو الشيء الذي يبعث في النفس احتراما وهيبة وهو تعبير ديني أصلا يستخدم أكثر في الخطاب الديني لتكريس التبجيل والتوقير لدى المؤمنين للمراد الماورائي او للمبادئ الدينية التي اختلقها رجال الدين لتكريس سلطتهم الزمانية على المؤمنين وقد سعى السياسيين لاستخدامه منذ القدم في خطابهم السياسي لإضفاء هالة من التبجيل والتوقير على فكرة سياسية معينة لتحجيم المعارضين لهذه الفكرة اما المدنس فهو عكس المقدس سواء كان مكانا او فكرة ويقال دنس المكان أي انتهك حرمته . وللولوج في العمق اكثر في موضوع المقال نلاحظ انه ومنذ توقيع إعلان المبادئ اوسلو وإسرائيل تحاول استخدام البند العاشر من اوسلو لمصلحتها معتمدة في ذلك على غموض مفهوم التنسيق الأمني مع السلطة وحاولت كثيرا إبراز التنسيق الأمني على انه دور وظيفي للسلطة لحماية اسرائيل وضرب المقاومة وهي بذلك تريد توصيل رسالة للشعب الفلسطيني ان السلطة هي مقاول امني من الباطن يهدف الى حماية كيان الاحتلال وكل ذلك يأتي في سياق محاولات إسرائيلية مدروسة ومخطط لها جيدا لإضعاف السلطة ونزع الشرعية الشعبية عنها ، في المقابل تسعى السلطة الوطنية لاستخدام التنسيق الأمني لمصلحة الفلسطينيين وإبقاءه في الدائرة الخدماتية أي في الامور التي تتعلق في تسهيل حركة الفلسطينيين وتدفق البضائع والسلع والخدمات الطبية وحقوق العمال وغيرها من الأمور التي تهم الحياة اليومية للفلسطينيين. لا شك أن التنسيق الأمني سواء كان مقدسا او مدنسا ياتي في سياق الحالة الجبرية المفروضة على الواقع الفلسطيني سيما وان اسرائيل تسيطر على معظم الضفة الغربية والمعابر وبالتالي فان دخول البضائع والسفر والشؤون الاقتصادية والصحية والحياتية تحتاج جبرا وبقوة الواقع لقناة رسمية للتنسيق حول هذه القضايا مع الاحتلال فلا يعقل ان يقوم المواطن الفلسطيني بالاتصال المباشر مع الدوائر الإسرائيلية مباشرة وكم فلسطيني اسقط في براثن الجوسسة لاستغلال الإسرائيليين حاجاته الأساسية لغايات اسقاطه في المحظور واعتقد ان الامثلة كثيرة على ذلك. على كل الأحوال رغم التباس مفهوم التنسيق الأمني واختلاف تفسيراته باختلاف منطلقات وأهداف المفسر الا انه استمر وامتد الى قطاع غزة بعد الانقسام وسيطرة حماس على قطاع غزة وأصبح الجميع يمارس التنسيق الأمني لتحقيق مصالحه السياسية والخدماتية. في الضفة الغربية دافعت السلطة الوطنية عن موقفها كونها ترى فى التنسيق الامني مصلحة فلسطينية وفي هذا السياق صرح الرئيس أبو مازن أمام الإعلام أن التنسيق الأمني مقدس وسيستمر ، اعتقد ان الرئيس ابو مازن مع الاحترام قد جافى الصواب عندما استخدم توصيف المقدس للتنسيق الامني لاسباغه بهالة تبجيلية ثيو قراطية لا تنسجم مع منطق السياسة لان التنسيق الامني الذي هو عبارة عن فكرة ذات دلالة سياسية متحركة ومتقلبة وقابلة للتغيير والالغاء والقبول والرفض لكنه وان كان يرسل من خلال تصريحه هذا رسائل سياسية في اكثر من اتجاه الا ان رسائله هذه لا تنسجم مع غايات ومصالح خصومه الذين يبدعون في الاستثمار التلفيقي لكل كلمة او هفوة له امام الراي العام الفلسطيني لغايات اضعافه ونزع شرعيته. وراينا كيف استغل تصريحه من قبل حماس المسيطرة على قطاع غزة بقوة الامر الواقع وخزعبلات النص الديني وجماعة دحلان الذي قال يوما امام أعضاء حركة ميرتس الاسرائيلية في اجتماع عقد في غزة في عام 2000 انه تعب من كونه مقاولا امنيا لمحاربة المعارضين وحماية امن اسرائيل وفقا لتقرير نشر على وكالة دنيا الوطن بتاريخ 25/6/2014 ومن باب المقاربة الجيوسياسية بين المقدس والمدنس في الفكر والتطبيق السياسي الفلسطيني يلاحظ هنا ان الرئيس ابا مازن مع الاحترام وان أعلن عن ان التنسيق الأمني مقدسا الا انه مارس في سياسته اللا قداسة لهذا المفهوم الملتبس وانتهك قداسته واعتدى عليها بنفسه وهو بذلك يتحدث عن قداسة المفهوم نظريا أما واقعا فهو يمارس عكس تصريحاته وذلك يتجلى ذلك في أكثر من موقف سياسي له خصوصا عندما أعلن عن البدء في تحديد العلاقة مع الاحتلال وهذا يشمل التنسيق الأمني وفي هذا السياق أيضا يندرج رفضه للعودة للمفاوضات مع الاحتلال دون جدول زمني لها على أرضية المبادرة العربية وقرارات الشرعية الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية . في المقابل نلاحظ أن حركة حماس والتي تحدثت عن دنس التنسيق الأمني وركزت كثيرا في شعارتها الديمغوجية للاستحواذ على الراي العام الفلسطيني على دنس فكرة التنسيق الأمني والتطرق له دائما بخطاب تلفيقي تخويني هي ذاتها اليوم وبعد سيطرتها على القطاع تمارس التنسيق الأمني المدنس من وجهة نظرها وفي هذا السياق تحدث الإسرائيليون عن وجود تنسيق امني عميق مع حركة حماس بهدف تامين الحدود مع غزة وأكثر من ذلك ان مواقع إعلامية عبرية أعلنت على لسان قادة امنيين ان التنسيق الأمني مع حماس تجاوز الكثير من القضايا التي يتم التنسيق حولها مع السلطة في الضفة وفي هذا السياق يندرج احكام حماس السيطرة على المناطق القريبة من الحدود مع كيان الاحتلال وتحريمها إطلاق الصواريخ وتنفيذ عمليات فدائية عبر هذه الحدود وأعلن اكثر من مرة قادة مرموقين في حماس ان مقاومتهم غير معنية بالتصعيد مع الاحتلال وهي رسائل سياسية يحاول المعنيين في حماس توصيلها للاسرائيليين للتعبير عن التزامهم بما تم الاتفاق عليه مع الاحتلال خلال التنسيق الأمني الغير معلن معهم سواء المباشر او الغير مباشر. نلاحظ هنا ان الرئيس ابو مازن دنس ما قدسه علنا فيما يتعلق بموقفه من التنسيق لامني أما حماس فقد قدست سرا ومن تحت الطاولة ما دنسته ، في اعتقادي لا خوف ممن يعلن عن توجهاته وما يقوم به سياسيا لانه يضع نفسه راضيا امام رقابة الجماهير لكن الخوف الحقيقي يكمن بقوة فيمن يمارس التنسيق الأمني سرا بعيدا عن الرقابة الشعبية التي تكون دائما بمثابة صمام الامام لمنع السياسيين من التلاعب في القضايا المصيرية للشعوب. من وجهة نظري ان التنسيق الامني موجود ويفرض نفسه بقوة الامر الواقع على الفلسطينيين شئنا ام ابينا ويجب التعامل معه فلسطينيا بعيدا عن المقدس والمدنس فاحتياجات الناس الاساسية وهمومها اليومية لا تقبل اخضاعها للشعارات الديموغوجية والمناكفات التلفيقية ولن يكون هناك حلا الا بتشكيل لجنة سياسية مشتركة بين غزة والضفة لمتابعة تنفيذ البند العاشر من اتفاقية اوسلو الميتة اصلا فلا يعقل ان يقوم طرف سياسي معين بالتنسيق الامني مع الاحتلال بمعزل عن السلطة الرسمية اوان يصار لتكليف طرف اقليمي او دولي ثالث للاطلاع بهذه المهمة بالوكالة عن الفلسطينيين ويكفينا اثقال كاهل شعبنا بالمزايدات والمناكفات لاننا تعبنا وان الاوان لان نفهم ان عدونا ومصيرنا واحد ولن تقوم لنا قائمة اذا استمر الانقسام وبقينا متمسكين بالحياة بين المقدس والمدنس .

فن ومنوعات


حالة الطقس

فلسطين