بحث

أخبار اليوم

نبض الحياة-

الذكرى الـ 60 للوحدة

  • 13:59
  • 2018-05-03

كان انعقاد الدورة الأولى للأمانة العامة لمؤتمر الشعب العربي في تونس العاصمة في 21 و22 شباط/ فبراير الماضي بالتلازم مع ذكرى الوحدة العربية الأولى الـ 60، يحمل الدلالة العميقة لتلك التجربة المميزة، على كل ما رافقها من ثغرات ونواقص أدت لفشلها. ولم يكن عقد الاجتماع مكرسا للجانب الشكلي، إنما كان على تماس مع جوهر ومضمون الفكرة والتجربة، واستلهام دلالاتها ودروسها التاريخية، لتشكل بوصلة ومرشد عمل للمؤتمر. 
وعلى أهمية العلاقة الجدلية بين إنعقاد الدورة الأولى وذكرى الوحدة العربية، لما بين الظاهرتين من عمق الروابط، تملي الضرورة استحضار تجربة الوحدة القومية الأولى وإعادة تذكير الأجيال الجديدة بأهميتها السياسية والإقتصادية والأمنية والثقافية/ التربوية والقانونية والقيمية والأخلاقية، ومن خلال ذلك التأكيد على ضرورة استعادتها بشروط ومحددات أكثر واقعية ومسؤولية، ولتلعب دور الرافعة لعملية النهوض القومي، والرد على حروب الردة الاستعمارية والتكفيرية، التي مزقت وحدة شعوب ودول الأمة من الوريد للوريد بإستعمال السلاح الديني والطائفي والمذهبي والإثني، وبالتالي إنقاذ الأمة العربية من المستنقع الآسن، الذي ترزح فيه نتاج الهجمة الشرسة، التي تتعرض لها، ووضع شعوبها ودولها تحت الشمس كمنارات حاملة للعلم والمعرفة والحرية والديمقراطية والمساواة والعدالة الاجتماعية والتطور الصناعي والزراعي والاقتصادي عموما المواكب لروح العصر وحاجات شعوب الأمة.
 ما زالت ذكرى الوحدة العربية الأولى بين مصر وسوريا الـ 60 حاضرة ومؤثرة في السجل القومي العربي. وستبقى كذلك، هذة الوحدة التي وضع مداميكها الرئيسان جمال عبد الناصر وشكري القوتلي في دمشق في الـ 22 من شباط/ فبراير 1958، لم تكن وحدة عفوية، ولا ارتجالية، وليست اندفاعا عاطفيا فقط، ولكنها جاءت نتيجة الحاجة الضرورية لشعوب الأمة، واستجابة من القيادات لإرادة شعوبها، وانعكاسا للروابط القومية والتاريخية واللغوية الجامعة، وانسجاما مع اللحظة التاريخية الملازمة للإعلان عنها، حيث كانت تعيش شعوب ودول الأمة العربية جميعها والعالم الثالث برمته لحظة نهوض عامة، وفي ذات الوقت تتلاشى وتغيب الشمس عن الامبراطوريات الاستعمارية، وخاصة بريطانيا وفرنسا، وردا على إقامة دولة إسرائيل الاستعمارية على أنقاض نكبة الشعب الفلسطيني، ودفاعا عن الأمن الوطني والقومي. 
وفشل تلك التجربة في أيلول/ سبتمبر 1961 نتيجة الأخطاء والمثالب والعقبات، والسلوكيات والممارسات الخاطئة لقيادتها وأجهزتها ومؤسساتها القومية، وتمكن قوى الأعداء من العبث بها ومحاصرتها، لا يعني أن تجربة الوحدة ماتت واندثرت، كما لا يعني التسليم بالعجز وإملاءات الأعداء في الداخل والخارج. لأن شروط الوحدة القومية أعظم وأقوى من عوامل التفكك والتشرذم، رغم تجذر النزعة القطرية، وتعدد النزعة الهوياتية الضيقة (الدينية والطائفية والمذهبية والإثنية) في الزمن الحاضر، وتعاظم واتساع الخطر والهجوم الاستعماري الأميركي والإسرائيلي والفارسي، غير أن تلك العوامل تضمحل وتتراجع أمام عوامل الوحدة والتكامل مع وجود الأدوات الوطنية والقومية الحاملة للمشروع القومي النهضوي والديمقراطي. 
ولعل القراءة الموضوعية للتجربة المريرة، التي تعيشها راهنا شعوب ودول الأمة العربية في العقد الأخير، تؤكد لأي قومي بأن الرد الطبيعي على مشاريع التفتيت والتمزيق لإفرازات مؤتمر كامبل نبرمان 1905/1907 وإتفاقية سايكس بيكو 1916 (الدولة الوطنية) يتمثل في التمسك بالشعار القومي العربي، وبناء مقومات التكامل السياسي والإقتصادي والعسكري والإجتماعي والثقافي التربوي بين دول الأمة، وبناء دولة المواطنة، دولة كل مواطنيها، دولة المساواة والديمقراطية الحقيقية والعدالة الإجتماعية. 
الذكرى الـ 60 لقيام دولة الوحدة، هي فرصة أمام كل القوى الوطنية والقومية والديمقراطية لاستعادة عافيتها، واستنهاض ذاتها من بؤس الأزمات، التي تعيشها، وحمل معول التطهير للأدران والأمراض، التي تضرب عميقا في بنائها ونسيجها الداخلي، والتخلص من لوثة المراوحة والتردد والخوف من قوى الإسلام السياسي المأجورة لإنقاذ الذات والشعوب والأوطان من دوامة الهزيمة. 
[email protected]

 

فن ومنوعات


حالة الطقس

فلسطين