بحث

أخبار اليوم

أطفال في عمر الزهور ما زالت البراءة تراهم عند إشارات المرور

  • 19:37
  • 2014-02-15

غزة - صوت الحرية - تقرير ياسمين العسولي

 بألم الطفولة المتروكة على أرصفة الطرقات في مدينة غزة , أطفال منها يتحدثون عن معاناتهم فـشتان بين الشارع والمدرسة وهم اللذين دمعت أعينهم شوقاً لها بعد أن أجبروا على تركها تحت وطأة وقسوة الطبيعة والظروف والحاجة الإنسانية , "أحمد" , و"ابراهيم" , نموذجان لاطفال تُنتهك حقوقهم وكرامتهم وطفولتهم بالكاد اقتنعا للحديث فـ كان منهما شهادتهما عن المعاناة والاماني الضائعة :

" أحمد " طفل لم يبلغ السابعة عشر من العمر وجد نفسه أمام ظروف تحرمه من حقوقه تنال من الاستقرار التعليمي والنفسي والأسري لطفل بدا لنا كهل يحمل أعباء الحياة القاسية , حرمان من متطلبات أساسية في المنزل ترافقه، الى مدرسته تكمن في روحه وأفكاره تكبر مع أيامه معاناة تمتد على طول اليوم من الصباح وحتى خلوده للنوم , ظروف دفعته للتفكير في العمل , والعمل لمن يعرف ليس بالشيء السهل على من بلغ في العمر ما يؤهله له من القدرات العقلية والنفسية والمهنية فكيف لطفل في عمر أحمد يفكر بالعمل ؟؟ .

أحمد الطفل الطالب البائع يقول كنت أعود من مدرستي الى المنزل فلا أجد من الطعام ما يسد جوعي حتى الخبز لم يكن متوفر لنا , أسرتي مكونة من خمسة أخوة وثلاثة أخوات مع أبي وأمي الذي يعمل بشكل متقطع في مهن مختلفة لا يكاد يوفر لنا منها ما يكفينا من طعام وشراب .

يواصل أحمد أسباب ما دفعه للعمل باكراً،:" كثيرا ما كنت أخرج من المنزل ودموعي تكاد لا تجعلني أرى الطريق ، فبعد يوم دراسي طويل ومنهك وعودة للمنزل لا أجد قطعة خبز تعينني على سد جوعي ، لطالما جلست وحيدا باكيا أفكر أن اعمل لأساعد أبي وفي هذا اليوم الذي لم أكن فيه قد أكملت العاشرة من عمري قررت أن أبدأ العمل في بيع سلع يمكنني شرائها .. وهنا بدأت معاناتي الأكبر ورحلتي الشاقة في الحياة بدأت اشتري الحلوى وعلب الفاين رخيصة الثمن , وانتقل بها من مكان اقامتي في بلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة الى منطقة الرمال مكان عملي فهنا الكثير من الماره يشترون مني "جبرا لخاطري" الا أن بعضهم يقذفونني بكلمات جارحه وينعتوني بالمتسول و منهم يقولون لي أعطنا مما في جيبك فأنت أغنى منا ,وهناك من يعطيني ثمن الحلوى ومن ثم يعيدها لي ولكنني أرفض لأني أعمل ولا أتسول ببراءة ومرارة تراه يتحدث ويعيد أنا أعمل لأعيش مستورا ولست متسولاً .

ومعاناة أحمد تزداد ان وقعت عين مسئول المباحث في منطقة عمله عليه فكثيرا ما يضطرني للهرب والركض لمسافات طويلة خوفا من أن تطالنا يده التي ان وقعت على احدنا سوف تجعله يغيب عن الوعي من شدة وقسوة وقعها على أجسادنا , ويضيف أنا وقعت بيده ثلاث مرات وفي كل مره كنت أتعرض للضرب والاهانة الشديدة وكان مطلبي لهم أن يوفروا لنا لقمة العيش أو العمل في مكان آخر يحمينا ويحافظ على أرواحنا ولكن الرد كان يأتي بعيدا عن الحاجه بعيدا عن الانسانية فيتهمنا الضابط

بالسرقة والتسول ..

أحمد ودموع حبسها تحدث عن امرأة وصفها بالطيبه أرسلها له الله لتمد له يد العون وتساعده في عمل "بسطة صغيرة" , عملت بها وتوقفت عن ملاحقة الناس واستجدائهم من أجل شراء سلعتي التي توفرت لي , فرحت كثيرا وبدأت أشعر أن شيئا ما يمكنه أن يتغير ولكن سرعان ما تبدد الحلم وذرف هنا دمعة حافظ على اخفائها منذ بداية حديثه وهو يخبرني أن دورية للشرطه باغتته وصادرت حاجيات البسطة الصغيرة لتصادر معها أحلامه الكبيره .

واصل أحمد قائلا : لجأت للعمل كي لا أحتاج أحد ولا أضطر للسرقة ولكن الحكومة والمجتمع وحتى بعض الناس اللذين يمرون عني ويلقون سهام كلماتهم على مسمعي يجعلونني أشعر بالضيق كثيرا , ويتساءل هنا ""شو بدهم مني اصير حرامي اسرقهم أحسن يعني ..؟؟؟"" ويجيب سريعا على سؤاله ليقول

"أنا بديش أكون حرامي".

يتنهد ويكمل عامان من العمل في الشوارع والتجوال بين السيارات واشارات المرور واستجداء الناس للشراء مني ، لم أنسى يوما أني حرمت من التعليم بعد أن أصبح ذهابي للمدرسة أمر صعب لا يتوافق مع ضرورة عملي , بحسرة بدت واضحة في عيونه "نفسي أرجع ع المدرسه وأتعلم , نفسي أبطل شغل بس أنا محتاجه" .

أحمد في رد أخير على سؤال عن أمنيته قال بعد أن تنهد طويلاً:" أريد أن اعود لمدرستي كي أتعلم لأعمل من أجل أبي وأمي فرضاهم من رضا الله ..وصمت أحمد .

ابراهيم طفل آخر في الرابعة عشر من عمره هو أخ لأحد عشرة اخ وأخت آخرين بالاضافة لوالديه يعيشون في منزل صغير مستأجر في منطقة الشجاعية شرق مدينة غزة , توقف والده عن العمل بسبب أزمة في التنفس تعرض لها نتيجة عمله في تبييض المنازل .

ابراهيم حالة اخرى ووجه من وجوه معاناة أطفال الأسر الفقيرة في غزة , اضطره الفقر لترك مقعده في الصف السابع مجبراً ليعمل ويساعد أسرته في توفير لقمة العيش , وهنا كان لقائنا به في مكان عمله عند مفترق السرايا وسط مدينة غزة التي يأتي اليها يوميا مشياً على أقدامه لكي يوفر مواصلاته قائلا : "أنا أبدى بالشيكل لأنه أهلي بحتاجوه ما بيلاقوه".

لم تطل مدة اللقاء بابراهيم لخوفه من مرور دورية المباحث في المنطقه ويراه الضابط المسئول

يقول ابراهيم :" أنا أعمل هنا في الشارع وأتعلم أيضا فأنا لا أترك لوحة اعلانات ولا يافطة تحمل اسم محل في المنطقة الا واقرأ تفاصيلها كي لا أنسى الحروف وأبقى على تواصل مع القراءة لأني كنت أحب مدرستي وأحن اليها الآن .

و يضيف الجميع يعتقد أننا متسولون ولكنهم لا يعلمون أننا بحاجه لأشياء كثيرة أقلها الطعام .

ابراهيم فجأة استأذن ليجلس أرضاً وقد لاحظت عليه علامات الإعياء وهنا تساءلت :ما بك ؟ فاجئني رده أشعر بضيق وألم شديد وعن السبب سألته ليخبرني عن اصابة في صدره تعرض لها أثناء أحداث الانقسام التي عصفت بقطاع غزة في العام2007م, مضيفا انا اشعر بالألم وأعاني منه اكثر حين تلاحقني المباحث كأنني مجرم هارب بدعوى أن عملي غير مشروع وغير مسموح به , هذا الألم مستمر فتلك الرصاصة التي اخترقت جسدي جعلتني أرقد في العناية المكثفة مدة عشرة أيام متتالية غائبا عن الوعي , وكالرصاصة تماما عملي الشاق لا يوفر لي الراحه وكأنه كتب لي أن ابقى غائبا مع طفولتي التي تدوسها معاملة الشرطه وبعض الماره لي على انني "شحاد" .

هذا التقرير يلقي الضوء من جديد على قضية علاجها هو علاج للمجتمع بأسره , فهم الشريحة الأضعف بين العناصر البشرية المكونة للمجتمعات , الأطفال الذي أجمع العالم على ضرورة حمايتهم دون تمييز في اتفاقية جنيف لحماية حقوق الطفل التي أقرت في العام 1989م وبدأ العمل بها في العام1990م ,وكانت من اسرع الاتفاقيات التي يوقع عليها أكبر عدد من دول العالم على اختلاف أشكالهم وألوانهم ودياناتهم ليصل عدد الدول الموقعة عليها مئة وثلاثة وتسعون دولة , وليكون هنا المجتمع الدولي برمته قد وضع نفسه تحت طائلة القانون دولاً ومؤسسات وحكومات , فلماذا لا يقوم بادنى واجباته ؟ولماذا لا يعاقب على تقصيره ؟ ولماذا لا يتم معاقبة الدول التي تغض النظر عن هذه الشريحة؟ اسئلة كثيرة تدور ونطرحها في هذا السياق هل من منقذ للطفولة هل من معين لهؤلاء على تحدي ظروفهم الصعبة وقسوة الحياة عليهم ؟؟..

نرى التقاير ونسمع عنهم الأخبار نشاهدهم في شوارع المدن في الحدائق التي يرونها بشكل مختلف

تماماً عن طبيعتها , نراهم بالقرب من المساجد وعند محال بيع البوظه أو البنوك لا نلتفت كثيرا , فقط تأملوهم تخيلوا أطفالكم استدعوا ضمائركم وانتظروا اجاباتها بأمانه مع أنفسكم , لكل مسئول أقول عليك أن تتخيل ما يمكن أن يخلفه قرارك بحقهم سلبياً كان أو ايجابياً هم أمانة في أعناق المجتمعات والمؤسسات والحكومات هل تتخلون عنهم ؟؟

 

عن أمد

فن ومنوعات


حالة الطقس

فلسطين