بحث

أخبار اليوم

مواقف متقاطعة

  • 16:02
  • 2014-04-20

في الاضطراب الذي تشهده المنطقة ومجتمعات الإقليم؛ يختلط ويتقاطع العلماني مع المذهبي والوسطي مع الأصولي، والقومي مع الشعوبي، وهذه يزاحم بعضها بعضاً، وتتضاءل عناصر الإيمان النظيف، ويُستهان بالعقائد، فتصبح مجرد عناوين فاقدة للدلالة!

في سوريا، كما في جوارها اللبناني، اختفت الخطوط الفاصلة بين الأيديولوجيات، لكن خطوط المواقف المتخاصمة تعمقت. فالقومي العربي والعلماني ـ لفظاً ـ يتكامل مع الفارسي والمذهبي الأصولي في مواقع النظام. أما في المواقع الكثيرة للمعارضة؛ فإن فسطاط \\\"المؤمنين\\\" وحده، ما زال يُمعن في إسقاط الأيديولوجيا التي يُفترض أن تجمعه، لصالح المغانم في الدنيا وفي الأوهام، حتى بدا أن لا عقائد عند العرب، وإنما هناك تمظهرات جامحة وأجندات غامضة، ونزعات بالمدلول المذهبي لا بالمدلول العقائدي. كذلك في العراق، الذي أصبح فيه، حسب هذه اللُجة، أفضل \\\"الممانعين\\\" هم أقرب حلفاء واشنطن الذين استحثوا الغزو لبلادهم. وتجدن هؤلاء أنفسهم، وهم يسوقون الاتهامات لأعدائهم في سوريا، لا يترددون في رشقهم بشائنة قبيحة كأن يقولوا بأن خصوم النظام الحاكم في دمشق، إنما هم متآمرون يريدون أن تغزو أميركا بلادهم!

وفي المعسكر الذي يفترض انه ديمقراطي وعلماني وتقدمي من مواقع المعارضة، ثمة وصال بين الشيوعي والتقليدي، وبين التودد لأميركا والتأفف منها، وبين بقايا معرفة بفلسطين ونكرانها البليغ وبين العدل في السلوك والظلم فيه. تماماً مثلما تتقاطع الطهرانية في الخطاب \\\"الألاوي\\\" لحسن نصرالله، مع الدنس الذي غرق ويغرق فيه الشبيحة والمستبدون. وفي لبنان، يتغذى \\\"تيار المستقبل\\\" العلماني من التطرف المذهبي للنقيض الأصولي الشيعي، فيتلاقح الأول، سراً أو علانية مع الأصولي السني المتطرف، فينصرف عنه الموالون له، من أديان ومذاهب أخرى، بسبب هذا التلاقح. وفي هذا السياق كله، كان الاستبداد وسمته الإقصائية، هو أم الذمائم وأبوها والصانع الأول للكارثة التي باتت عليها شعوب هذه الأمة!

وفي الحدث المصري، حيثما لا مذاهب جامحة ومتعارضة؛ تراجعت العقيدة الى الوراء لصالح الأيديولوجيا عند \\\"الجماعة\\\" صاحبة الشكاية، التي رأت في الموقف من \\\"حقها\\\" في الحكم، قاعدة لقياس الإيمان ولسلامة المعتقد، فأوقعت هذه الحسبة شرخاً في المجتمع. وفي ليبيا يصح الاسترسال في الحديث عن متواليات الانشطار، حتى أصبح الحال يُغري بطلب النجدة من الاستبداد نفسه!

في هذا الخضم العسير، أصبح الخاسر الأكبر، هو الدولة المدنية، والمنحى العلماني الذي يكرس مبدأ المواطنة والاخوّة بين الناس، وباتت قضية الحرية هي الهامشية والخاسرة التي يعد طرحها ترفاً لا يجوز اعتماده في هذه الظروف العصيبة. فأي شيطان هذا الذي أوقع كل هذه المصائب في مجتمعات الأمة وأوطانها ومستقبلها، بينما المحتلون يتفرجون في مأمن؟!

إن المتأمل المدقق في هذا المشهد الكارثي، يتبين الرمال المتحركة، ويستبطن واقعاً قوامه أن لا تحالفات دائمة في هذا المعترك الشائك. ففي جوف كل حالة تبدو الآن متماسكة ومنطوية على نفسها؛ هناك تناقضات لا حصر لها، ما يفتح الشعوب والأوطان، على أفق النزاعات الأهلية المتناسلة وعلى تفكك الأوطان وتجزئتها بعد التجزئة الأولى. فكيف سيؤسس المستبد، صاحب الخطاب والديماغوجيا القومية والعلمانية مستقبلاً مشتركاً لنفسه، مع قومية فارسية وأصولية في آن، ذات طموحات نقيضة؟ وكيف يتحقق المشترك بين قوة علمانية ووطنية في لبنان، مع تيار أصولي متطرف؟ وكيف يقنع الأصوليون الذين يحاربون النظام في سوريا، أنهم يقاتلون لمصلحة الشعب السوري ولضمان حقه في الحرية والمواطنة والدولة المدنية، بينما هم جعلوا العقيدة نفسها تتوارى خلف الأيديولوجيا وخلف نزعات التأسيس للإمارات الصغيرة في قلب وطن السوريين؟

إن هذه المواقف المتقاطعة كلها، تنم عن الشر الذي يعصف بهذه الأمة، ويبعدها آلاف الأميال عن أول طريق القدس التي تُنتهب وتُهَّوَد، مثلما تبعدها عن القضايا الجوهرية للأمة وشعوبها!

[email protected]

فن ومنوعات


حالة الطقس

فلسطين